جميعنا ينتظر شهر رمضان ، ونعلم بقدوم الشهر الفضيل بداية من داخل الأسرة حيث يبدأ الحديث عن شراء ” حاجات رمضان ” قبل قدومة بعدة أشهر ، وهي حاجات كثيرة ومتنوعة بعضها مرتبط برمضان وحده وهي (الياميش ) مثل البلح وقمر الدين والتمر هندي ، ومن الحلويات الكنافة والقطايف، وبعضها موجود طوال العام ولكن معدلاتها تزيد في رمضان مثل اللحوم بأنواعها. ثم نعلم بقدومه أيضا من التصريحات المتكررة لكل حكومة في كل عام على مدى عشرات الأعوام تؤكد استعداداتها لتوفير السلع الغذائية في رمضان ، وزيادتها لحصة الفقراء الذين يمثلون غالبية الشعب من السلع الغذائية المدعومة في شهر الصوم .
فعاداتنا في المأكل والمشرب حولت شهر رمضان من شهر الصيام الى شهر للإفراط في الأكل والشرب . فذكرت دراسة للمركز المصرى للتعبئة والإحصاء أن المصريين ينفقون على الغذاء خلال شهر رمضان نحو 1.5 مليار جنيه يوميا. ووفقا لتقرير لغرفة الصناعات الغذائية المصرية فإن معدلات استهلاك السلع الغذائية خلال شهر رمضان يرتفع بمعدل 70 % عن باقي أشهر السنة، ويرتفع استهلاك منتجات اللحوم والدواجن بـنسبة 50 %.
وذكرعلاء حسب الله، عضو الجمعية العلمية للصناعات الغذائية بالإسكندرية في دراسة بحثية إن المصريين يستهلكون خلال الشهر الكريم، نحو 160 مليون دجاجة، و40 ألف طن فول، 30 ألف طن من اللحوم البلدية والمستوردة نحو 45 ألف طن من الأسماك، و11 مليار جنيه عيش بمتوسط يومى 250 مليون رغيف. ومن المفارقات العجيبة التي رصدها حسب الله أن يُلقى 40% من غذاء المصريين فى رمضان يلقى في القمامة خاصة النشويات والحلويات وبقايا الفراخ واللحوم، وتصل النسبة إلى 75% فى حفلات الإفطار والموائد، بينما يعانى من 3 إلى 5 ملايين مصرى من نقص الغذاء والشراب يوميا خاصة فى صعيد مصر. وأتفق مع وصف الباحث بأنها كارثة لانه اسراف وتبذير يحدث في بلد يقع أكثر من 40% من مواطنيه تحت خط الفقر.
والإحصائيات السابقة تؤكد أن المصريين حولوا شهر الصيام الى شهر لإشباع كل شهوات البطن بما لذ وطاب من الأطعمة حتى ولو كان بالدين وأعرف الكثير من الاسر تخرج من هذا الشهر وعليها ديون متراكمة.
وتأتي الفضائيات لتقضى على الشطر الآخر الهام في شهر رمضان وهو العبادات ، فقد تسلط القائمون على هذه الفضائيات على المصريين لإلهائهم عن الصلاة والذكر والقيام إلا من رحم ربي وأدرك أهمية الوقت في رمضان الكريم وتضاعف الحسنات فيه من رب العالمين وهم قليل . فتشير الاحصائيات إلى أن تلك القنوات تتنافس في عرض 35 مسلسلا وبرنامجا تبدأ بعد دقائق من الافطار وتستمر حتى بعد شروق الشمس . وبلغ استهتار المنتجين والعارضين لتلك المسلسلات بعقول المشاهدين بحشر كل الحلقات بعشرات الإعلانات المتكررة والمملة.
أما الهدف الرئيسي من الصيام وهو السمو الأخلاقي فمجرد نزولك الى الشارع وسماعك لكل الالفاظ القبيحة قبل أن يتلفظ قائلها بعبارة ” اللهم إني صائم ” ، يتأكد لك اننا رسبنا في هذا الجانب. والغريب أننا نجد من يبرر له ذلك قائلا ” لا تؤاخذوه فانه صايم “. وتلخص سيدة مصرية فاضلة تعيش في الخارج أخلاق غالبية المصريين أثناء الشهر الفضيل في تعليق على مقالي الاسبوع الماضي قائلة :” في عام ٢٠١٥ اخر كام يوم في رمضان كنت في مصر وحاولت اتحدي الواقع واخلص ورق من السجل المدني. طبعا محصلش لكن انا اللي حرق دمي وكنت مستعدة أخسر صيامي بسببه. البيه مسؤول الأمن اللي فاتح مصحف وبيقرأ وفي النص يقفله عشان يزعق في الناس ويسب الدين ويرجع يقرأ. مش عارفة أقول ايه. بس القلوب ماتت ” .
الصوم الحق عرفه الإنسان منذ فجر الإنسانية ،فهو ضرورة قبل أن يكون فريضة، ويقول الباحث عبد الحكيم الرويضي أن الإنسان لا يصوم بمفرده، فقد تبين لعلماء الطبيعة أن جميع المخلوقات الحية تمر بفترة صوم اختياري مهما توفر الغذاء من حولها، فالحيوانات مختلفة تصوم وتحجز نفسها أيامًا وربما شهورا متوالية في جحورها تمتنع فيها عن الحركة والطعام.
فمتى ندرك معنى وقيمة الصيام ؟! ومتى نتعلم الصيام الحق ؟!