احدث الاخبار

هموم الرحيل… قصة قصيرة

كتب /عيد حسن

فرحت عائشة بدا حينما قالوا لها ستذهبين إلي مدينة أسوان، شعرت بالسعادة أكثر لأنها ستري مدينة كبيرة وجميلة، انتابها ذلك الشعور وهي جالسة وقت العصاري علي المصطبة أمام منزلها القديم، المشيد من الطوب اللبن فوق تلة صغيرة بجزيرة ابريم ويحف البيت أشجار نخيل كثيفة.
وقد رأت هي نفسها قبل أسبوع في منامها سفينة نوح ويصعد إليها البشر والبهائم، تلك القصة التي حكي لها الشيخ إبراهيم عندما كانت طفلة صغيرة، من اجمل بنات الجزيرة، وشاهدت نفسها وهي تغرق داخل بيتها وحيدة ، بعد أن توفي زوجها منذ أعوام قليلة، تاركا لها هموم الرحيل، استعدت للسفر مسرعة، ودون أن تسلم علي امها، أسرعت لكي تلحق لها مكان بالمركب الأبيض الكبير “البوستة ” ذلك المركب الذي طالما اعجبت به مرات عديدة وهي تنظر إلي انواره المضاءة المعلقة وهي قادمة من الجنوب وسط الظلام الدامس، وكأنها نجوم تتلألأ علي صفحات مياه النيل، حل المراكبي الحبل الذي يربط المركب بالرصيف، تحرك المركب وأطلق صافرة عالية اذانا بالرحيل، أخذ يشق طريقه وسط الماء في اتجاه الشمال، عادت لها حالة الفرحة ثانيا، وبدأ قلبها يرقص طربا، جاءها احساس إنها ستري عالم جميل وبلاد واسعة ، لكنها لا تدري لماذا انتابها القلق والوسوسة، كبر النيل امامها في كل اتجاه، فالمياه الواسعة تحيط المركب من كل جانب، اختفي كل شيء من الوجود، زادت حيرتها.. قلقها.. نظرت فلم تري الجبال.. البيوت .. القري المجاورة لقريتها، بدت تتسأل اين ذهبت البلاد الواسعة.
فاجئها راكب بجوارها عندما رأي دموع الحيرة في أعينها، قال: هنا وأشار بيده الي المياه، هنا حيث نبحر فوقها.
شعرت ببرودة شديدة ترعد جسدها وكأنها تتجمد، وهي تنظر في كل اتجاه … اختفت البيوت.. النخيل.. طاف بمخيلتها ذلك الحلم الذي رأته، حدثت نفسها أين بلادنا.. نخيلنا العامر بوفرة التمور وقت ان كانت تزيحها عن اليمين وعن الشمال لتفسح الطريق لها، اين البراح.. المزارع.. الحقول.. الخير.. المحاصيل.. ان ذهب الخير الذي كان يمطرنا.
البيوت العالية فوق الجبال.. محاصيل القمح الذهبية.. الحطب.. الساقية الكبيرة..جداول المياه.. حقولنا التي كنا نلعب فيها.. نقرات الدفوف وسط النخيل، شعرت بالحزن والهم معا.
احست ان الجبل يوسوس لها.. اين انتم ذاهبون.. اين انتم راحلون.. تمنت أن يعود الزمن إلي الوراء، أو أن تعود النوبة الغارقة تحت مياه البحيرة الي الوجود لتري البلاد الخضراء الواسعة، وتمنت أن يعود إليها أبنائها واحفادها التي لم تنجبهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.