وغربت شمس عرفه
على جبل عرفـــــات ..
الشمس تنحدر إلى المغيب على جبل عرفات
الجبل مزروع بالخيام .. مليون وخمسمائة ألف حاج يحطون عليه كالحمام في ثياب الإحرام الأبيض ..
لا تعرف الواحد من الآخر .. لا تعرف مَنْ الفقير ومن الغَني .. ولا تعرف من التركي ومن العربي .
اختفت الجنسيات .. واختفت الأزياء المميِزة .. واختفت اللغات .. الكل يلهج بلسان واحد .. حتى الجاوي والصومالي والإندونيسي والزنجي والأذربيجاني .. الكل يتكلم العربية .. بعضهم ينطقها مكسرة، وبعضهم ينطقها بلكنة أجنبية، وبعضهم يمد بعض الحروف .
. ولكنك تستطيع أن تفهم مِن الجميع .. وتستطيع أن تسمع أنهم يهتفون ..
” لبيـــــك اللهــــــم لبيـــــك ”
والذين لا يعرفون العربية تراهم قد التفوا حول مُطَوِف يُرددون وراءه الدعاء العربي حرفا حرفا في خشوع و ابتهال ..
في البقعة التي كنت أقف فيها أكثر من خمس عشرة جنسية مختلفة .. في مكان لا يزيد عن أمتار معدودة ..
و هم قطعًا لا يعرفون العربية ، و لم يكونوا يدركون معاني ما يرددون من حروف .. و إنما شعروا بها بقلوبــهم فبـــكـوا .
كان كل واحد يشعر أنه يخاطب الله بهذه الحروف .. و أنه في حضرة الله و في ضيافته وفي رحابه .. و أنه يقف حيث كان يقف محمد عليه الصلاة و السلام .. النبي العظيم البدوي الفقير الأمي ..
كتاب/ الطريق إلى الكعبة
د. مصطفى محمود رحمه الله.