الصراط المستقيم

استراتيجية يوم عرفة

من قراءات أ.د.نادية حجازي نعمان

 

كلما اقترب يوم عرفة أتذكر(سباستيان) .

سباستيان شاب ألماني شارك في أكتوبر سنة (2012) في مسابقة كبيرة جدا نظمتها سلسلة محلات ألمانية شهيرة  لجمهور صفحتها على الفيسبوك احتفالًا بافتتاح فرعها رقم (150) في ألمانيا والفائز بالمسابقة يسمحوا له بدخول المحل لمدة (150) ثانية ياخد فيها (كل) ماتتوق إليه نفسه مجانًا ..يدخل المحل ويحمل كل ما يريد ويخرج بلا دفع مقابل .

انتهت المسابقة وتم الاعلان عن الفائزين ، منهم شاب عنده (27) سنة اسمه (سباستيان) .

يوم المسابقة كان فيه تغطية اعلامية رهيبة ، و بدأ العد التنازلي لـ 150 ثانية ، وبدأت الناس في المسابقة تدخل وتحمل ما تقدر عليه …

ناس كتير كانت تقع ، وناس تحمل أشياء ثم ترميها وتاخد أشياء أخرى !! لكن العجيب إن (سباستيان) دخل بمنتهى السرعة والنظام والتركيز ، وكاأنه حافظ هو بيعمل ايه …يجيب شاشات كبيرة ويسحبها ، موبايلات وتابلتس ولاب توبس وأجهزة من كل الأشكال والألوان ومن أفخم الماركات وأغلى الأسعار يضعها فوق بعض بترتيب عجيب ويخرج بيها يضعها فى الخارج ويعود و الناس كلها كانت مندهشة من أدائه واختياراته !! لدرجة إنه سحب “تلاجة” بحالها وأخرجها

وبالفعل انتهت الـ(150) ثانية وخرج (سباستيان) وسط تهليل فظيع من الجمهور واترمى على الأرض من كتر التعب !! حسبوا قيمة ماأخذه في الـ(150) ثانية وجدوه  (29) ألف يورو !! يعني 600 ألف جنيه تقريبا في دقيقتين ونص !!

أول كلمة قالها (سباستيان) بعد ما خرج : ” لقد نجحت استراتيجيتي” .

عندما عملوا معه لقاء بعدها قال إنه من يوم ما سمع عن المسابقة وهو يذهب المحل كل يوم “يخطط” ويحفظ أماكن الحاجات الغالية ، ويرتب مساره وأولوياته وطريقه داخل ليخرج بأكبر قدر من المكاسب خلال الـ(150) ثانية .

كلما نقترب من يوم عرفة ، أتذكر (سباستيان) وأقول : مش احنا أولى من سباستيان في التخطيط ليوم عرفة ؟! سباستيان خرج بحاجات قيمتها 29 الف يورو في دقيقتين ، ياترى احنا ممكن نخرج بأيه من يوم عرفة ؟؟

قال الأوزاعي رحمه الله : أدركت أقواماً كانوا يخبئون الحاجات ليوم عرفة ليسألوا الله بها !

في الحقيقة ، لا أعرف كيف لشخص يدرك قيمة وفضل يوم عرفة و لا يعد خطة لاستثمار هذا اليوم .

إنهأكثر يوم يعتق فيه الله الناس من النار ، وهذا اليوم يباهي الله  بعبادِهِ ملائكته ، وإن صيامُه يكفر السنة الماضية والسنة القابلة ، وإن العمل الصالح فيه أفضل مما دونه من الأيام ، وإن خير الدعاء وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، كيف يعلم الإنسان كل هذا ولا يستعد ببرنامج  عبادات ودعوات .

فلنتجه يوم عرفة إلى مسجد هاديء أو زاوية أو حجرة في بيتنا من العصر حتى المغرب .

قال عبدالله بن المبارك : جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان فالتفت إلي ، فقلت له : من أسوأ هذا الجمع حالاً ؟ قال : الذي يظن أن الله لا يغفر له .

اللهم اغفر لنا ذنوبنا .

منقول مع تعديلات

٢٠٢١/٧/١٨

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.