أخطر أعداء الإبداع
بقلم / الدكتور أمين رمضان
مازال الحديث عن الإبداع موصولاً…
حديثي في هذا المقال عن البيئة الصالحة لزراعة الإبداع، وهي البيئة التي يزدهر فيها الإبداع، ومن مبدأ أن الأشياء تعرف بضدها، كما علمونا، فسيكون حديثي عن أخطر عدوين للإبداع .
مشروع تعزيز الإبداع
كنت مديراً لمشروع تعزيز الإبداع عند الطلاب الجدد في الجامعات السعودية، وكان المشروع ممول من وزارة التعليم العالي في ذلك الوقت، وشراكة مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، التي كنت أعمل فيها منسقاً لوحدة مهارات الحياة، وكان فريق البحث يضم تخصصات مختلفة في العلوم والتربية وعلم النفس، ومستشار دولي، أستاذ عمارة ومتخصص في الإبداع، كانت المرحلة الأولى هي الاطلاع على كل ما نشر عن الإبداع في المراجع العلمية خلال العشر سنوات السابقة، ومضينا نجمع الأوراق العلمية المنشورة، وبعض الكتب عن الإبداع، ونغوص في المراجع، قراءة وبحث وتأمل ومقارنة، بحثاً عن النظريات وأفضل الممارسات العالمية في تعزيز الإبداع، عندما قرأنا تعريفات الإبداع، وجدنا تعريفات عديدة متنوعة، لكن استوقفني تعريف قرأته لأول مرة في حياتي.
الجرأة على الخطأ
كان التعريف هو أن “الإبداع هو الجرأة على الخطأ”، وقفت مشدوها أمام التعريف، لأنه جديد، ولأنه أضاء في عقلي معرفة عدوا الإبداع الحقيقيين، وتساءلت، يا ترى من هو الذي لا يجرؤ على الخطأ؟، أليس هو الخائف أو المقهور!!!، وإذا كان الخائف هو من يفقد الأمان، كل أنواع الأمان، الأمان المادي، والأمان النفسي، والأمان الاجتماعي، وغير ذلك من كل ما يهدد حرية النفس والعقل والقلب، فوجدت أن الكلمة الجامعة المانعة التي تعبر عن هذا العدو، هي القهر، فهي التي تزرع الخوف في الإنسان.
حتى في علم النفس الإنساني
في مقالات سابقة تحدثت عن النظرية التي درست الإنسان كمنظومة حيوية ونفسية واجتماعية، أي الإنسان وظروف الحياة التي يعيش فيها، خلاصة النظرية أن تطور أو نمو الإنسان يتم عبر دورات، في كل دورة 6 مراحل، وأن الإنسان حتى الآن أنهى دورة واحدة فقط، ودخل في المرحلة الثانية من الدورة الثانية ، يعني يعيش في المرحلة الثامنة، طبعا ليس كل الناس يعيشون في هذه المرحلة، فالناس تعيش في مراحل مختلفة عبر مسار نموها طبقاً لنظرية جريفز.
ما سبق، كان مقدمة لبيت القصيد وهو، أن الإنسان في الدورة الأولى عايش، فهي دورة للمعيشة فقط، في ظل خوف في كل مرحلة من مراحلها الست، ومع بداية الدورة الثانية، والتي يميزها غياب الخوف، يعيش الإنسان كينونته الإنسانية الأصيلة، أي يصبح موجوداً، مش عايش فقط كما كان، وعندما يحيا الإنسان كينونته الحقيقية كإنسان غير خائف، تزدهر ملكاته وانتماءاته واثره في الحياة كلها، أو في نظم الحياة كلها، وهذا ما استوقفني أيضاً في رحلة بحثي عن الإنسان.
الخلاصة
مما سبق نجد أن البيئة الصالحة التي يزدهر فيها الإبداع، هي التي لا يعيش فيها القهر ولا الخوف.
تعالوا نسقط ذلك على حياتنا الواقعية وأمثلة منها في المقال القادم بإذن الله
وللحديث بقية…