خلف زجاج المترو
كتبت / هدير عبد المنعم
تقف على رصيف المترو فتسمع صافرة تنبيه قدوم القطار، عربة خلف عربة تمر بسرعة فتبدو الملامح كخيال، وتدريجيا تهدأ السرعة فتتضح الرؤية خلف الزجاج الشفاف لعربات المترو. فنرى وجوه متراصة متلاصقة مختلفة الملامح متطابقة التعبيرات ،مستسلمة وثابتة لا تتحرك حتى يُخيل إلى من يراها للوهلة الأولى أنها صورة لُصقت بحرفية عالية.
إذا وقفت يوما ما على رصيف أحد محطات المترو ، فبالطبع ترىالمشهد السابق، مشهد كفيل أن يبعث العبوس في نفسك ويخيف أي محاولات للسعادة بداخلك، فتهرب من هذه الوجوه بعيدا وتدير وجهك . لطالما تساءلت لم لا يكون هذا الزجاج غير شفاف ؟ فلا نرى من بالداخل ،ولا يروونا فيكونوا على أهبة الاستعداد للدفاع عن أماكنهم التي نريد أن نستولي عليها بمجرد فتح الباب.
والسؤال الأهم من أنتم؟ ففي هذه العربة ترى شاب عشريني ينظر في اللاشيء ، وبجانبه رجل خمسيني يبدو عليه الإرهاق ،ويمسك بيده طفل لم يتجاوز التسع سنوات يبدو على وجهه التجهم ،وعربة أخرى ترى بها فتاة في مقتبل العمر اتخذت من الزجاج الشفاف مرآة لإصلاح زينتها ،وأخرى تنظر أمامها لأنها لا تجد مساحة لتحريك رقبتها في أي اتجاه ،وأخرى أنهكها التعب فجلست مفترشة الأرض،قد تختلف الحكايا والعربات ومن بداخلهم ولكن شيء واحد لا يتغير وهو “الغُلب” البادي على الوجوه،ولكن داخل العيون ،ستجد “طيبة” تنتظر أي فرصة لتتحول لابتسامة ،وهنا أدركت أن -هم نحن- ، فوراء كل وجه حكايات وحكايات .
وداخل العربة أصوات وروائح ووجوه أخرى، تجعل من رسم الابتسامة إعجاز كوني، ولكن يا عزيزي الراكب المحشور بزحمة المترو ، وساقتك الجموع الغفيرة أن تتقدم الجمع فيلتصق وجهك بالزجاج الشفاف فأراه ،رجاء تبسّم.
وسط هذه التأملات ،فُتح الباب فاصطدمت برأسي الجموع الغفيرة وعلى الأغلب أصابني ارتجاج طفيف.
فياعزيزي المنتظر على الرصيف ،لا تتأمل.