“عم عبدالله ” مُشرد بدرجة ” ولي ” في شوارع شبين الكوم
يحفظ القران الكريم ويرتل آياته للمارة .. ويمتلك ثقافة دينية موسوعية ويرفض التعرض لحياته الشخصية
كتب / السيد عبدالرحيم
كثيرًا ما يصادفنا أشخاصًا مشردين ، يسيرون هائمين في الطريق العام ، الكثير منهم يرتدى ملابس رثة وبالية ، ويفتقدون للعناية الشخصية من حيث نظافة الملابس أو حلاقة اللحية ، التى تبدو بصورة غير مهذبة في كثير من الأحيان ، حتى أصبح راسخًا في أذهان الكثيرين أن هؤلاء” مجاذيب” كما يطلق الكثيرون عليهم ، ينتظرون قدوم الليل ليتخذوا من أحد الاركان أو الأرصفة فراشًا لهم ، ورغم أن معظم هؤلاء أصبح مألوفًا لسكان مناطق بعينها ، إلا أنهم لم يسألوا أنفسهم عن الظروف التى دعت هؤلاء المشردين إلى ذلك، ولم يفكروا في الحديث إليهم أو البحث عن كيفية مساعدتهم بعد أن جار عليهم الزمن.
” جريدة وضوح” اقتربت من “عم عبدالله “، كما يحب أن يطلق علي نفسه ، الذي اعتاد السير في شوارع شبين الكوم بمحافظة المنوفية ، ويفترش منتصف الطريق على رصيف الحياة بوجهه الضاحك كثيف اللحية ، تحدثنا إليه فكان يشرد قليلاً، قبل أن يجيب عن الأسئلة ، وكأنه يسافر بذاكرته إلى الماضي البعيد حيث مقبرة الذكريات في ذاك الواد السحيق المتخم بالألام ، لا يريد أن يذكر أين مسقط رأسه أو أسرته ، تجاهله لذلك وحرصه على عدم ذكره يخبئ سرًا لا يريد البوح به أو ذكرى أليمة لا يردها أن تطفو على ذاكرة الأخداث من جديد، وربما ذاق منهم ما يريد أن ينساه أو قد يكون فقدهم في حادث مؤلم .
” حافظوا على الصلاة الوسطي ” هكذا كان رده حينما وجدته يصلی العصر على الرصيف المقابل لمحكمة شبين الكوم ، قبل أن أقترب منه في محاولة عابثة لأسأله ماذا تفعل ، مستخدما كل الحيل لسماع قصته المليئة بالغموض المثير لكن الفشل كان المصير.
عم ” عبد الله ” ذكر لنا قليل من كثير كنا نود أن نعرفه عنه ، وأوجز سيرته الذاتية في كلمات بسيطة ومحدودة ، موجزها أنه يبلغ من العمر 58 عاما ، يحفظ القران الكريم كاملا ويرتله بالتشكيل ، أخذ الله منه كل شيئ وترك له القران مطبوعا في قلبه پرتله بين الحين والآخر ليكون رفيقه في غربة ليال الأيام .
لا يمتلك حجرة تأويه أو جدران تقیه برد الشتاء القارس لكنه يأوي إلى الركن الشديد ، ويمتلك من فصاحة اللسان ما يكفي لأن تتيقن أنه لم يفقد عقله ، ومن الوعظ الديني ما لا يمتلكه أغلب خطباء ذلك الزمان يجوب الشوارع منذ سنوات يصلي حينما يسمع الأذان ، ينتظر قضاء الله حيث يعتبر نفسه من المقربين إليه مستشهدا بالآية الكريمة والسابقون السابقون اولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الأخرين ” حيث يعد نفسه من الاخرين القلائل المقربين إلى الله ، حيث ان الله لم يذكر اسماء المقربين من العباد غير الأنبياء في القران الكريم كأبی بکرالصديق.
حديثنا مع “عم عبدالله” كشف لنا أنها ليس شخصية عادية أو” درويش” ربما يحفظ القرآن الكريم منذ صغره ، لكنه كشف نه شخصية موسوعية الثقافة ، فهو يحفظ التاريخ الإسلامي وقصص الأنبياء والصحابة عن ظهر قلب وكأنه من علماء الأزهر الشريف ، ويدعي انه من اولياء الله ويتحدث عن الأخرة أكثر مما يذكر الدنيا ويعتبرها دار الشقاء وأنها مجرد محطة فقط لا غير ، يرفض الدعاء لاى شخص ويطالبه بالتقرب إلى الله حينها سيكون بجواره دون الحاجة لدعوات أحد من العباد لا يملك دخلا ولا معاشأ ولا يريد المساعدة من أحد متيقنة أن الله هو المعين ولا يملك احدا من البشر صبع أي شي له ، قائلا : ” إذا كان الله يريد ذلك ،سيفعل فهو الذي لا راد لحكمه ولا لقضائه ”
عبدالله كثيرا ما يلتفت إليه المارين بالشارع في طرق شبين الكوم محافظة المنوفية ليسمعو جمال صوته في تلاوة القرآن الكريم ليتعجبو قائلين سبحان الله أخذ منه كل شيء وترك له القرآن الكريم .
قال محمود نوفل ، أحد بائعة الجرائد بشبين الكوم ، إن عبدالله مقيم بشوارع شبين الكوم منذ أكثر من 15 عامًا يجلس علي الرصيف متنقلا بأماكن داخل المركز ويحاول الكثير من المواطنين مساعدته ولكن دائما يرفض ويقول إن الله هو المعين ولا يملك احد من البشر صبع أي شي له ،وكثيرا ما يحاورونه بشأن كتاب الله والحديث ويتفوق عليهم .
“عم عبدالله ” شخصية مختلفة بكل المقاييس عن مشردي الشوارع المنتشرين في المحافظات ، ربما يحمل ملامح تتشابه معهم ، لكنه يختلف عنهم كثيرًا في علمه وثقافته وإ قربه من الله عز وجل ، وبما يتمتع به من عزة نفس ووعي وإيمان بالله عز وجل
تركنا ” عم عبدالله” الذي لا يعرف احد اسمه الحقيقي ، ولا أين عائلته و يرفض تمام أن يسأله أحد عن حياته الشخصية ومازال جالسا في شوارع شبين الكوم يردد تلاوات من القرآن الكريم يطرب لها كل من استمع إليها ولا يصدق أنه شخص مشرد يفترش الرصيف.