تساؤلات عن الإبداع

بقلم / الدكتور أمين رمضان

يظن كثير من الناس أن الإبداع مرتبط بالفن، لكن الإبداع مرتبط بكل جوانب الكون وليس الحياة فقط، ولذلك وصف الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه “بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ” (البقرة – 117)، وبديع هنا تعني: الخلق على غير مثال سابق، ومن تعريفات العلماء للإبداع “الإتيان بشيء جديد ومفيد”. الكون كله يظهر الإبداع في أجلى معانيه، فالتنوع والتعدد في المخلوقات لا يحصى، هذا التعدد يعطي للحياة تكامل وجمال واستمرار وازدهار في لوحة ربانية بديعة وواضحة الدلالة على المبدع، وكأنه رسالة للإنسان بأن الإبداع هو طريق الحياة الإنسانية المزدهرة والمنسجمة مع الكون. انظروا إلى تنوع مليارات البشر، في كل شيء تقريباً، وتنوع عالم النبات، وعالم الحيوات، وعالم الصخور والمعادن، وعالم الأحجام بين التناهي في الصغر والضخامة في الحجم، وعالم التعقيد بين البسيط والهائل في التعقيد مثل مخ الإنسان الذي وصفه العلماء بأنه أعقد المخلوقات. ومن العجيب أن الحياة تدفع الإنسان دفعاً للإبداع، بوجود تحديات باستمرار، وعندما يواجه الإنسان التحديات، ويوجد حلول لها، فإن مجموعة جديدة من التحديات الأكثر تعقيداً تظهر، وهذه تحتاج للتفكير خارج الصندوق وإيجاد أفكار إبداعية جديدة لحلها، وتستمر الحياة في تطورها وازدهارها. الغير طبيعي أن يتوقف الناس عن التفكير، فتحسبهم أيقاظاً وهم رقود، ويكون الهلاك مصيرهم، والبقاء للتنوع والتعدد والتكامل.

ومن غير المنطقي أن نتحدث عن الإبداع ولا نتحدث عن المبدعون، الذين صنعوا التطور الهائل في الحياة على الأرض في كل جوانب الحياة.

السؤال المهم الأول هو: هل الإبداع سمة يولد بها الإنسان فيكون مبدعاً، أم تربية وتكوين ومهارات، يمكن أن يكتسبها الإنسان بالتدرب عليها؟

والسؤال المهم الثاني هو: هل الأطفال الذين يولدون في البلاد المتقدمة والمبدعة، مختلفين عن غيرهم من الأطفال؟ وبالتالي يكون الإبداع والتخلف قدر محتوم على المجتمعات؟

والسؤال المهم الثالث هو: ماهي الظروف التي تساعد على صناعة الإبداع أو تدمره؟

الحقيقة أن كل سؤال من الأسئلة الثلاثة يحتاج مقال مستقل، فاسمحوا لي أن أبدأ بالسؤال الأول، هل الإبداع موروث أم مكتسب؟

لفهم الإجابة على هذا السؤال أحتاج التذكير بدرجات الإبداع المختلفة، فمن الإبداع البسيط اليومي الذي يمارسه معظم الناس بأساليب مختلفة، والإبداع المتوسط الذي يمكن اكتسابة أو من خلال التعلم، أما الإبداع الكبير فيطلق عليه العبقرية وهذه القدرة جينية يولد بها الإنسان، وإلا كيف يمكن أن نفسر عبقرية بيتهوفن الأصم في إبداع سيمفونياته العظيمة، وغيره الكثير من العباقرة الذي جاءوا بما يعجز عنه الآخرون، حتى من المبدعين، لذلك لن يكون حديثي عن العباقرة في هذه المقالة.

باختصار شديد، الإبداع مهارات يمكن أن يكتسبها الإنسان، وصناعة المبدعين مسؤلية قومية، والتعليم هو قاطرته المحركة الأولى، منه تنطلق أجيال الخريجين ليسدوا حاجة المجتمع في شتى المجالات ويطوروها باستمرار، التعليم الحالي عاجز عن هذه المهمة التي نحتاج إليها بشده من أجل البقاء ذاته، وهي ليست رفاهية، بل ضرورة حياة، وهذا يتطلب بصدق الإجابة على سؤال: كيف يمكن أن يكون التعليم مبدعاً؟.

في الحياة العامة هناك العديد من البرامج التي تدرب على الإبداع ومنتشرة عالمياً: متل برنامج سكامبر SCAMPER ، وبرنامج كورت Corte ، وبرنامج تريز Triz ، وغيره من البرامج الكثيرة.

أيضاً للأسرة دور مهم في تعزيز الإبداع عند أبنائهم، وذلك بتوفير البيئة المناسبة للإبداع، والتي تحتاج أن تكون في مقال مستقل.

للحديث بقية ………