الفنجان
بقلم/ محمد الخمَّارى
لعلَّ هذا الموضوعَ يفتحُ آفاقاً ويُضيئُ دُروباً ويُرشدُ أذهاناً، لقد عِشْتُ حياةً ذا طابعٍ خاصٍ منذُ نُعومةِ أظفاري تُشبهُ البحرَ الذاخرَ بالجواهرِ وأيضاً المخاطرِ أمواجٌ مرتفعةٌ تصلُ بك إلى أبوابِ السماءِ وأخرى منخفضةٌ وبين ثنايا حركاتِ وسكناتِ تلكَ الأمواجِ يَكْمُنُ الخيرُ .
تَعَلَّمْتُ كثيراً وتأثَّرتُ بها أكثرَ من أقرانى أصحابِ الحياةِ ذى القالبِ والحدودِ المحصورةِ فى ستةِ عشرَ عاماً من التعليمِ النِّظاميِّ أو أكثرَ ، ثمَّ البحثِ عن وظيفةٍ مناسبةٍ أو غيرِ مناسبةٍ ، ثمَّ الزواجِ من شخصٍ مناسبٍ أو غيرِ مناسبٍ . ولا يتخلَّلُ هذه الحياةَ المُتْرَفةَ فى نظري سِوَى هوامشَ و أحداثٍ من فِراقِ محبوبٍ والبكاءِ عليه في سِنِّ المراهقةِ أو خِصامٍ وضَجَرٍ بين أفرادِ الشِلَّةِ.
ومن جُملةِ ما غَيَّرَ فى مُجرياتِ حياتى لأكثر مِن خمسٍ و عشرين سنةً بَلِ اكتسبتُ معنًى ومفهوماً لم أجدْهُ أثناءَ دراستى لعلومِ الإجتماعِ حيثُ أنَّنى كنتُ في زيارةِ مريضٍ في بيتِه في إحدى المُدُنِ المصريةِ وهو رجلٌ بسيطٌ للغايةِ فقدَّمَ لنا مشروباً ظننتُ أنَّه مشروبٌ عاديٌّ من المُسَخَّناتِ إلى أن أمسكتُ بأُذُنِ الفنجانِ فإذا به فنجانٌ من عَسلِ النَّحلِ الطبيعيِّ ومِثْلُ هذه الضيافةِ لم أعهدْها مِن قبلُ ولا مِن بعدُ .
فأخذتني العَبْرَةُ ( البكاء) واغرورقتْ عيناى، فلَرُبَّما يكونُ هذا العسلُ هو أغلى وأثمنُ مايملكُ هذا المريضُ أو أنَّه الدواءُ الذى يستشفى به وكلا الاستنتاجينِ عظيمٌ فلم يبخلْ به .
وكُلَّما تذكرتُ هذا الدرسَ العمليَّ أحرقَ الدَّمعُ وَجْنَتَىَّ ( خَدَّىَّ ) حُزناً وأسفاً على جفاءِ وجفافِ قلوبِنا .
أين نحن من هذا السلوكِ الفطريِّ الذى لطالما نادى به الأساتذةُ وزرع فى الوجدانِ زهرة.