أراء وقراءات

السفير أشرف عقل يكتب عن المفهوم الحقيقي للمراسم وأهميتها في حياتنا

 

– ارتبطت المراسم بالدبلوماسية Diplomacy منذ أمد طويل ، حتى تصور الكثيرون أن المراسم هى شأن يخص الدبلوماسيين وحدهم ، وهم فى العادة – من وجهة نظرهم – شخصيات متحفظة متعالية ، عليها المثول فى المناسبات والاحتفالات والمآدب الرسمية فى أزيائها المزركشة بالأوسمة والنياشين وفق طقوس محددة وأساليب معينة .

– والحقيقة أن مفهوم المراسم ” البروتوكول ” هو أشمل وأعمق من هذا التصور ، فهى وليدة تطور المجتمع الإنسانى من تجمعات فردية يسودها قانون الغاب فى قوة وعنف ، إلى مجتمع يتجه إلى التعاون والمشاركة والتفاهم الودى ، فتشكلت على مر الزمان عادات وتقاليد تتسم باللباقة واللياقة والمجاملة . وكلما زادت مدارك الفرد وثقافته ومنزلته الاجتماعية ، كلما أصبح أكثر دراية ووعيا بأهمية هذه التقاليد وتلك العادات وفائدتها .

– ترجع كلمة بروتوكول Protocol إلى الأصل اليونانى Protokollon ومعناها الصدارة ، وكان الكتاب البيزنطيون يطلقونها على أول صفحة تتصدر مؤلفاتهم ، ثم تطور الاصطلاح ليشمل مجموعة العادات والقواعد المكتسبة أو غير المكتسبة المتفق عليها والمتعلقة بالسلوك الاجتماعى والخصال الحميدة وفن المجاملة ومراعاة الأسبقية فى المناسبات الرسمية وغير الرسمية وفى العلاقات الدولية ، ويلاحظ أن مفهوم الصدارة الذى تحمله كلمة ” بروتوكول ” قد أدى إلى استخدامها فى مجال القانون الدولى لوصف بعض أشكال المعاهدات الدولية .

– تشمل المراسم الطقوس والإجراءات التى تتبع فى شتى المناسبات بما تتضمنه من مظاهر الأبهة والعظمة والفخامة ، ويطلق عليها عادة تعبير Ceremonie ، كما تشمل كذلك آداب السلوك واللباقة وحسن الخلق ومراعاة اللياقة واحترام النفس والغير ، وهو مايقصد بتعبير ” اتيكيت Etiquette ” . ويعد الالتزام بالذوق العام وحسن المظهر وتناسقه وإجادة فن الحياة  Savoir Vivre من أبرز سماته .

– ويشير ارتباط المراسم بالدبلوماسية بالطبع ، إلى العلاقات الدبلوماسية وما شهدته من تطور منذ أن دونت قواعدها فى معاهدة فيينا ١٨١٥م ، ومؤتمر ” اكس لاشابل ” عام ١٨١٨م ، واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام ١٩٦١م ، واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية عام ١٩٦٣م ، واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام ١٩٦٩م ، لما تضمنته من تنظيم الأسبقيات ودرجات العاملين فى السلك الدبلوماسى والقنصلى ، وتوضيح المزايا والحصانات التى يتمتعون بها لحسن آداء المهام الملقاة على عاتقهم ، وأسلوب التعامل الأمثل بين الدول ، فى حالة قطع العلاقات الدبلوماسية بينها ، وكذلك واجبات كل دولة فى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتوفير عوامل الأمن والاحترام للبعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها من أعضاء ومقار .

– وإذا كانت البساطة هى الطابع الغالب على معظم قواعد المراسم التقليدية فى الوقت الراهن ، إلا أن أى خلل يحدث فى اجتماعات أو احتفالات أو مآدب رسمية فى هذا المضمار ، قد يؤدى إلى عواقب وخيمة ، ومن هنا كان واجب الالتزام بقواعد المراسم الأساسية من احترام للنفس فى السلوك والمظهر والثقافة والجدية والكرم والإلمام باللغات ، وتبادل الدعوات والمجاملات الاجتماعية ، واتباع العادات والإجراءات المتعارف عليها فى المناسبات الرسمية وغير الرسمية ، ومراعاة الأسبقية ، والحفاظ على المواعيد ، وكلها عناصر كفيلة بتوفير فرص النجاح والتألق لمن يتبعها .

– وعلى ضوء ما تقدم ، يتضح أن المراسم ليست من المسائل الشكلية التى لا طائل من ورائها ، كما أنها ليست من المبالغات التى لا تتفق وطبيعة العصر ، ولا من الأمور الفنية المتخصصة التى لا تهم سوى حفنة من الرسمييين المعنيين بها ، وإنما هى المدخل الصحيح لاكتساب تقدير الآخرين واحترامهم ومحبتهم ورضاهم ، وهو ما يصبو إليه كل ذى همة وطموح ليس فى المجال الدبلوماسى فحسب ، ولكن فى العديد من المجالات الأخرى مثل العلاقات العامة ، وإدارة الأعمال ، والعلاقات الخارجية فى شتى صورها ومناحيها .

* المرجع : مصادر متعددة .

*السفير اشرف عقل مساعد وزير الخارجية سابقا 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.