أراء وقراءات

واقع الأمة وما يفرضه من واجب

بقلم: محمد ممدوح أبو الفتوح

الأمل رغم الألم

في خضم المآسي والتحديات، تظل هناك بارقة أمل لا يغفل عنها المؤمنون. فالحوادث المؤلمة مهما عظمت لا تخلو من الخير والمنفعة، وإذا كان واقع الأمة اليوم مؤلمًا، فقد احتُلت الأرض، وقُتل الأبرياء، ودُمرت الديار، وحُوربت الهوية، فإن في هذا الابتلاء ما يوقظ فينا الإيمان ويجدد شعلة الصبر والثبات.

ويستحضر المؤمنون في هذه اللحظات قول الله تعالى:
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3]
وهكذا فإن لكل زمان فتنه، ولكل وقت واجبه، وهو ما يتطلب البصيرة والوعي، لا من الكتاب المسطور فقط، بل من الكتاب المنظور والتاريخ والواقع.


1. السلام أصل لا استثناء

خلق الله الناس شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، فجعل الأصل في العلاقة الإنسانية السلام والتعايش، لا الحرب والكراهية. لكن بعض الأمم، وعلى رأسها العدو الصهيوني، أبوا إلا العدوان، رافعين شعار السلاح بدلًا من السلام، وممارسة القتل بدلًا من التعايش.
فأين شعارات الحرية التي يرفعونها؟ وأين دعواهم الإنسانية والديمقراطية وهم يغتصبون الأرض ويهجرون أهلها؟ أوليست لكل أمة حقها في تقرير مصيرها على أرضها؟


2. الخلاف خطر والأمة لا تقبل التشظي

من أعظم ما يفتك بالأمة اليوم الفرقة والاختلاف. إذ يبذل الأعداء جهدهم لإذكاء العصبيات وإحياء النعرات، حتى تتفتت الكلمة وتتبعثر الجهود وتضعف القوى وتضيع الثروات.
وقد حذر الله من مغبة التنازع فقال:
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]
فلا بد من الوحدة تحت راية واحدة، دون إلغاء للاجتهادات، وإنما جمع للكلمة وتنسيق في الجهود.


3. الوعي سلاح في زمن الزيف

أخطر ما تواجهه الأمة اليوم ليس فقط احتلال الأرض، بل احتلال الفكر وتشويه الوعي.
ففلسطين ليست “قضية” تقبل الجدل والمساومة، بل هي “حق” أصيل للأمة جمعاء، لا تلغيه الاعتداءات ولا الحروب.
ومكر الأعداء تجلى حين تم تقزيم فلسطين من قضية إسلامية إلى عربية، ثم إلى فلسطينية، وأخيرًا إلى مجرد أراضٍ “محتلة” يجري الحديث عنها وكأن لها نظيرًا مقبولًا!

وها هم يسعون إلى إسقاط الرموز، وزرع الشك في النفوس، وتجريد الشعوب من الثقة بقياداتها حتى لا يبقى لها رأس تسير خلفه.


4. حب الأوطان فطرة وواجب

الوطن ليس سلعة تُباع وتُشترى، بل هو جزء من كيان الإنسان. وقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يكون الحب الصادق للوطن، فحين أُجبر على الخروج من مكة وقف على الحزورة وقال:
“ما أطيبك من بلد، وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك”
كما دعا أن يحبّب الله إليه المدينة كمحبته مكة.
وقد قرن الله الخروج من الديار بقتل النفس في قوله تعالى:
{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} [النساء: 66]


5. وحدة الصف خلف القيادة

ليس هذا زمان التنازع ولا التفكك، بل زمن الاصطفاف خلف القيادات الصادقة والحريصة على وحدة الأمة.
وإذا كانت الأمة جسدًا واحدًا، فإن تخلّي جزء عنها يؤدي إلى هلاكها جميعًا.
يقول الله تعالى:
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]
علينا أن نعتز بهويتنا، وأن نرفض التبعية الفكرية والسياسية، فكما لا نقبل الاحتلال على الأرض، لا نقبل الاحتلال في العقول.


خاتمة
نحن أمة ذات رسالة وذات تاريخ، تمر بأوقات عصيبة، لكنها ما زالت تملك مقومات النهوض. ولن ننجو إلا بالوعي، والتماسك، والتوحد خلف كلمة الحق، وبتحرير فكرنا كما نحرر أرضنا، واستعادة ثقتنا بأنفسنا وهويتنا. فواقع الأمة، رغم مرارته، لا يخلو من فرص للنهوض، فقط إن أدركنا واجب الوقت.

مناصرة الكيان الصهيوني رِدّة حضارية وأخلاقية 2

محمد ممدوح أبو الفتوح

الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى