غزة ليست فخًا… بل اختبار للضمير العالمي

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير
عندما كنت أقرأ في إحدى الصحف الإلكترونية تقريرًا عن الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، استوقفني تصريح للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يقول فيه: “اكتشفت مؤخرًا أن غزة فخ موت خطير”.
تصريح يحمل قدرًا من الدهشة، لكن ما يُدهشنا فيه ليس مضمونه، بل بطء الإدراك، كمن يكتشف – بعد سبعين عامًا – أن الشمس تشرق من الشرق!
غزة، يا سيد ترامب، لم تكن يومًا منتجعًا سياحيًا. لم تكن مزارًا للهاربين من صخب الحياة. كانت دائمًا “فخ موت”، لا لأنها اختارت ذلك، بل لأن من يمتلك الطائرات، والسفن، والمال، والفيتو، قرر أن تكون كذلك.
من الذي حفر الفخ؟
فخ موت؟ نعم. لكن من الذي حفره؟
من الذي أغلق البر والبحر والسماء؟
من الذي جَوّع المحاصَرين؟
من الذي صنع الجدران وأقام السجون فوق الأرض وتحتها؟
من الذي يمدّ آلة الحرب بالذخيرة، ثم يخرج على الملأ ليلقي محاضرة في الأخلاق؟
هل فجأة استيقظ ضمير العالم ليعلن أن غزة “فخ”؟
أم أن من قضى سنوات ولايته بتوقيع كل ما هو ضد الفلسطينيين، أصبح فجأة “فيلسوفًا إنسانيًا” يحذرنا من النتيجة، بينما كان هو أحد البنّائين النشطاء في الطريق إليها؟
غزة لا تملك سلاحًا… لكنها تملك الحق
غزة، يا سيد ترامب، لم تمتلك قنابل نووية.
لم تبرم صفقات سلاح مع تجار الحروب.
لم تحتل أرضًا، ولا أطاحت بأنظمة.
غزة فقط أرادت أن تعيش… وهذا ما جعلها “خطرًا” في قاموس بعض العواصم.
أي منطق هذا الذي يُعلمنا أن الضحية “خطيرة”؟
وأن من يُذبح يوميًا هو من علينا الحذر منه؟
تصريحاتك يا سيد ترامب تذكرنا بالمثل العربي: “ضربني وبكى، سبقني واشتكى.”
لكنك، في هذه الحالة، لم تبكِ ولم تشتكِ.
بل وقفت أمام الحفرة التي ساهمت في حفرها،
علّقت لافتة كتب عليها “احذر: فخ موت”،
وابتسمت أمام الكاميرات، كأنك تقدم خدمة إنسانية عظيمة!
أسوأ من التصريح… من صدّقه
ربما الأسوأ من تصريحك، هو من صدّقه، من هلّل له، من وجده نبرة تعاطف كنا ننتظرها لأطفال غزة تحت الركام.
أنت يا سيد ترامب، لم تكن يومًا رجل سلام،
واليوم تحاول أن تؤدي دور “العرّاف”،
تحذرنا من موت أنت أحد صُنّاعه،
وتستعطف العالم ببلاغة متأخرة،
كمن يعود إلى مسرح الجريمة ليقف أمام جثته، ويتأملها قائلًا:
“كم يبدو هذا المنظر مؤلمًا!”
غزة ليست فخًا… إنها اختبار ضمير
غزة، يا سيد ترامب، ليست فخ موت…
بل اختبار ضمير عالمي.
وما يبدو لك فخًا، هو في الحقيقة مرآة…
مرآة تعكس الوجوه، وتعرّي الأقنعة، وتفضح الصامتين.
وفي المرة القادمة التي تشعر فيها بالحكمة تتسلل إلى تصريحاتك،
تذكّر فقط:
“من حفر حفرة لأخيه… سقط فيها… ولو بعد حين.”
السفير د. أحمد سمير
عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة
السفير الأممي للشراكة المجتمعية
رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية