مهارة التفاوض

بقلم / الفنان أمير وهيب
أتذكر في سنوات الطفولة في السبعينيات و حتى منتصف الثمانينيات كانت لأسرتنا زيارات عائلية ثابتة ، فكان مساء السبت مخصص لزيارة أخت أبي الكبيرة ، و صباح الأحد لزيارة جدتي أم أمي.
و في هذا السبت تحديدا ، توجهنا بصحبة أبي لزيارة عمتي ” فتنة ” ، و هناك و بعد وصولنا ، مجتمعين في غرفة ” التليفزيون ” ، بدأت اسمع نقاش محتدم يرتفع فيه الصوت احيانا لدرجة لا أفهم منه شئ سوى كلمة” السادات “.
نظرت الي التليفزيون ، الصورة غير ملونة و مضمونها ” اسفلت ” شارع.
و استمرت الشاشة على هذه الصورة ، ثابتة لا تتحرك ، و لمدة طويلة حتى استنفذ صبر كل الحاضرين و خرجوا من الغرفة تباعا.
و قام أبي قبل خروجه من الغرفة بتكليفى بمتابعة التليفزيون و إبلاغهم عندما تصل طائرة ” السادات “.!!!!!!
و اتضح أن هذا الاسفلت هو ممر طائرة مطار في اسرائيل و اني مكلف بمهمة إنتظار وصول طائرة السادات. و المهمة و ان كانت ثقيلة في درجة مللها ، الا اني شعرت بالمسؤولية ، و استلقيت على الأرض على بطني و وضعت رأسي بين كفتين يدي امام التليفزيون لمتابعة مشهد ” الاسفلت “. و استمريت على هذا الوضع لمدة تجاوزت النصف ساعة.
عرفت بعدها بسنوات أن هذا اليوم تاريخي ، ١٩ نوفمبر ١٩٧٧ ، و الهدف مضمونه تسوية الصراع و إلقاء خطاب اليوم التالي ٢٠ نوفمبر داخل الكنيست الاسرائيلي.
و بدأت انتبه إلي أسماء اعتمد عليهم السادات في ” التفاوض “، في اسرائيل و في كامب ديفيد و اتفاقية السلام ، هما ” بطرس غالي ” و ” أسامة الباز “.
* المفاوضة ، هي شكل من أشكال المباحثات مضمونها ” اتفاق ” له شروط.
* المفاوضة أيضا ، لها أشكال عديدة ، في حقيقة الأمر ، مقابلة رئيس شركة مع شخص لتعيينه لمنصب ما ، هذه مفاوضة ، قد ينجح في شغل المنصب أو رفضه.
* عندما يتقدم شخص لمصاهرة عائلة ، هذا تفاوض.
* و كما في حالة مباريات كرة القدم ف المدير الفني يختار اللاعبين و يضع الخطة ، كذلك رئيس دولة يختار مسؤولين و يضع خطة.
* قد تكون الخطة رائعة و محكمة و تفشل ، لماذا ؟ لأن اللاعبين لم تكن لديهم المهارات اللازمة الكافية.
* تشبه أيضا ، فارس في اختيار ” الحصان ” ، مهارة الفارس تعتمد على قدرات الحصان ، و لكن لو كان هذا الفارس ذو مهارات خارقة ، هل يمكنه الاعتماد على ” حمار ” بدل من حصان لتنفيذ خطته ؟
* كنت محظوظ بدرجة امتياز ، ف الأسمين الذين احتفظت بهما في ذاكرتي قابلتهما في مناسبتين فنيتين ، بطرس غالي اخوه متزوج من فنانة دعتني مرة الي مرسمها ، مرسمها وهو ” عوامة ” على النيل ، أمام منزلهم.و أسامة الباز قام بافتتاح معرض كنت مشارك به.
* و في مجال عملي أتلقى دائما دعوات ، دعوات متنوعة ما بين معارض و احتفالات.


* هذه الدعوة لحضور حفل استقبال في السفارة الفرنسية في القاهرة ، يونيو ٢٠٠١ ، و كان في استقبالي السيد إيف دي ريكو المستشار الاقتصادي و التجاري لدى سفارة فرنسا و السيدة كلوديا لي لون الملحق التجاري.
* و كان هناك جمع غير قليل من رجال أعمال مصريين ، و واضح انهم سعداء أيضا بتلقي مثل هذه الدعوة.
* و من الواضح أيضا ، كما شاهدتهم ، أنهم مرتبكين ، لا يجيدون التحدث باللغة الفرنسية و الانجليزية ضعيفة ، فالكثير من المصريين لا يجيدون ” التفاوض “.
* اختيار شخص ، حتى لو كان من المتفوقين أكاديميا ، يعني استاذ جامعة ، هذا ليس ضمان تفوقه في المفاوضة.
* أي شخص مهما كان مستواه التعليمي و الاجتماعي له ايجابيات و له سلبيات ، و من ناحية أخرى ليس هناك ابدا ما يمكن وصفه ب ” الإجماع ” على شخص أو شئ.
* و أجزم بيقين أن عبقرية السادات كانت في اختيار المسؤل الذي لديه براعة المفاوضة.
* مصر حاليا تحتاج هذا المسؤل البارع في المفاوضة.
* معظم الوزراء متفوقين أكاديميا فاشلين في إبرام ابسط الصفقات.
* و من غير المعقول أن تلوم الحمار على عدم قفز الحواجز حتى لو كان الفارس بطل العالم ، لأنه في هذه الحالة انت تطلب من الحمار المستحيل ، تطلب منه ما يعجز عن تنفيذه.
أمير وهيب
فنان تشكيلي وكاتب ومفكر