أراء وقراءات

الدرس القاسي لإيران: الطعنة لم تأتِ من العدو وحده

كتب / ممدوح الشنهوري

كثيرًا ما تنطبق الأمثال الشعبية على مواقف الدول، لا الأفراد فحسب. فحين تأتي الطعنة من العدو، يكون وقعها متوقعًا مهما بلغت قسوتها، لكن الطعنة من الداخل، من أبناء الوطن أنفسهم، هي ما يكسر الروح ويزعزع الثقة… وهذا تحديدًا ما واجهته إيران خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا ضد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

خيانة الداخل… الجرح الأعمق

خلال تلك الأيام الملتهبة، كشفت إيران عن شبكة تجسس داخلية واسعة، وأعلنت القبض على أكثر من 700 جاسوس، وفقًا لتقارير إعلامية دولية موثوقة. لم تكن الخسائر الكبرى في الأرواح أو العتاد أو حتى المنشآت النووية، بل كانت الخسارة الكبرى معنوية واستراتيجية، حين أدركت الدولة أن عدوها الأكبر لم يكن فقط على حدودها، بل بين صفوفها.

ضربات موجهة واغتيالات نوعية

بالتنسيق بين واشنطن وتل أبيب، تعرّضت منشآت نووية حساسة مثل نطنز وفوردو وأصفهان لضربات مباشرة بالطائرات والصواريخ والمسيرات. ورغم أن التدمير لم يكن شاملًا، بحسب الإعلام الإيراني، فإن الخسائر البشرية كانت فادحة، حيث تم اغتيال عدد من القادة العسكريين والعلماء النوويين، إضافة إلى جنود ومدنيين، في سلسلة ضربات دقيقة ومنظمة.

العدو من الداخل لا من الحدود

لم يكن لهذه العمليات أن تتم بهذا النجاح لولا التواطؤ الداخلي من عملاء زرعوا في الأرض الإيرانية، وأمدّوا الأعداء بمعلومات حساسة. لقد أثبتت هذه الحرب لإيران والعالم أن الاختراق الأمني الداخلي قد يكون أكثر خطرًا من كل الأسلحة والصواريخ العابرة للقارات.

عبرة إيران… وعبرة الآخرين

على الرغم من أن إيران ردّت بقوة وألحقت بإسرائيل دمارًا كبيرًا عبر صواريخها ومسيراتها، فإن الخسارة الأخلاقية والأمنية ستبقى في ذاكرة الدولة طويلاً.
والعبرة الحقيقية التي خرجت بها إيران من هذه الحرب لم تكن في مواجهة الطائرات الأمريكية، ولا في مواجهات نارية مع إسرائيل، بل في أنها أدركت أن الانهيار قد يبدأ من الداخل.

ولعل هذا الدرس القاسي يكون إنذارًا لكل الدول:
العدو الحقيقي ليس فقط من يقف على الحدود، بل قد يكون بيننا، يبتسم في النهار ويخون في الليل.

*كاتب صحفي وعضو المنظمة المصرية والدولية لحقوق الإنسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى