أراء وقراءات

الإعلام الرقمي والتلاعب بالعواطف: وعي يقوده الانفعال

بقلم / د. هناء خليفة

 

هل توقفت يومًا لتسأل نفسك: لماذا انجذبت لهذا الفيديو دون غيره؟ لماذا شعرت بالغضب فور قراءة هذا العنوان، أو تأثرت بصورة دون أن تتأكد من حقيقتها؟

ربما تعتقد أنك تفكر باستقلالية، لكن الحقيقة أن الكثير من اختياراتنا الرقمية تقودها العاطفة قبل العقل.

في ظل الثورة الرقمية، أصبحت المشاعر هي الوسيلة الأسرع للتأثير والإقناع، وتحولت كثير من المنصات إلى أدوات تُصمم المحتوى خصيصًا لتحفيز الاستجابة العاطفية لدى المتلقي.

تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن أكثر من 60% من التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي ترتبط بمحتوى عاطفي أو مثير للجدل، بحسب دراسة لجامعة بنسلفانيا عام 2022.

كما أظهرت دراسة لموقع BuzzSumo أن المنشورات التي تثير مشاعر مثل الغضب أو الحزن أو الفرح الشديد يتم مشاركتها بمعدل أعلى بـ 3 أضعاف من المحتوى التحليلي أو المحايد.

في هذا السياق، لم يعد الإعلام الرقمي مجرد ناقل للمعلومة، بل أصبح موجّهًا للمشاعر، وصانعًا للرأي، وقادرًا على تشكيل وعي جمعي يقوده الانفعال لا التفكير المنطقي.

🎯 كيف يتحول الإعلام من وسيلة للتنوير إلى أداة للتأثير؟

المحتوى الرقمي لا يُعرض بشكل بريء. إنه مصمم ليجذب الانتباه، يثير الفضول، يحرك المشاعر. كثير من المنصات الإعلامية تعتمد على ما يُعرف بـ “اقتصاد الانتباه”، حيث تكون الأرباح مرتبطة بعدد النقرات والمشاهدات والتفاعلات.

وهنا تدخل العاطفة باعتبارها أسرع الطرق لانتزاع تفاعل المستخدم.

🧠 الوعي الانفعالي: حين يصبح الشعور بديلاً عن التفكير

هذه الحالة تسمى في علم النفس بـ “الاستجابة العاطفية الفورية” (Emotional Reactivity)، وهي آلية نفسية طبيعية تجعل الإنسان يتفاعل سريعًا مع مشهد أو خبر دون المرور بمرحلة التقييم العقلي.

وفي الإعلام الرقمي، تُستغل هذه الآلية لصناعة رأي عام سريع، لكنه هشّ.

المشكلة ليست في التأثر، بل في التسرع. فنحن نشارك، نغضب، نتعاطف، لكن دون تحقق من المعلومة، أو تحليل للسياق، أو توازن بين العاطفة والعقل.

⚠️ خطورة التلاعب العاطفي في الإعلام الرقمي

١نشر الشائعات: غالبًا ما تنتشر الشائعات المدعومة بمحتوى عاطفي أكثر من التصحيحات الرسمية.

٢الاستقطاب العاطفي: يتم استخدام العواطف لتغذية الانقسام السياسي أو الديني أو الاجتماعي.

٣صناعة أعداء وهميين: يُستخدم الخطاب العاطفي في تأجيج الكراهية ضد فئات أو جماعات معينة دون أدلة موضوعية.

💡 كيف نحمي وعينا في عصر العاطفة الرقمية؟

✔️ فكر قبل أن تشارك: هل ما قرأته أو شاهدته حقيقي؟ هل يوجد مصدر موثوق؟

✔️ تحقق من نوايا المحتوى: هل هدفه الإخبار؟ أم إثارة الغضب والتعاطف لزيادة التفاعل؟

✔️ وازن بين العاطفة والعقل: لا تكن باردًا، لكن لا تكن مندفعًا أيضًا.

✔️ تعلم مهارات التفكير النقدي: وهي من أهم المهارات التي توصي بها اليونسكو في التعليم الرقمي الحديث.

ما بين القلب والعقل… يوجد وعيٌ يجب أن نُدافع عنه

في زمن أصبحت فيه العواطف سلعة رقمية، ومشاعرنا وقودًا لخوارزميات لا تعرف الرحمة، لا بد أن نستعيد زمام وعينا.

ليس كل ما يهز مشاعرك يستحق أن يوجه أفكارك.

كن إنسانًا يشعر، نعم

لكن كن أيضًا إنسانًا يفكر، ويفهم، ويختار.

دكتورة هناء خليفة 

دكتوراة في الإعلام من كليه الاداب جامعه المنصورة
مهتمة بقضايا الفكر والوعي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى