صرخة غزة في وجه الصمت العالمي المخزي

كتب – إيهاب عبدالله *
في قلب الشرق الأوسط، حيث تتلاقى حضارات وتتعاقب أجيال، تقع قطعة أرض صغيرة تُدعى “غزة”. قطعة أرض لا تزال، حتى هذه اللحظة، تشهد فصولًا من المأساة والإبادة الجماعية على مرأى ومسمع العالم أجمع، في صراع غير متكافئ لا يفرق بين طفل، وشيخ، وامرأة. لقد تحولت غزة إلى لوحة زيتية داكنة، رسمتها دماء الشهداء وزينها غبار المنازل المدمرة، وصور الأجساد المبتورة، وأصوات الأمهات الثكلى. إنها غزة التي تأنّ من جرح عميق، وتصرخ في وجه صمت عالمي مريب.
الفصل الأول: الأرقام التي لا تكذب
منذ السابع من أكتوبر 2023، تشهد غزة عدوانًا إسرائيليًا غير مسبوق في وحشيته. أرقام وإحصائيات لا يمكن تجاهلها، بل إنها تروي كارثة مرعبة من الإبادة الممنهجة. تجاوز عدد الشهداء حتى الآن أكثر من 60 ألف شهيد، منهم ما لا يقل عن 20 ألف طفل، 10 آلاف امرأة. هذه الأرقام تتجاوز أي نسبة قتل للأطفال في أي صراع مسلح في العصر الحديث. وفي مقارنة بسيطة، فإن نسبة الأطفال الذين قُتلوا في غزة خلال ثلاثة أشهر تتجاوز عدد الأطفال الذين قُتلوا في جميع الصراعات حول العالم خلال الأربع سنوات الماضية.
لا تقتصر المأساة على الأرواح فحسب، بل تمتد إلى كل مقومات الحياة. لقد دُمر ما يقارب 80% من المباني السكنية، وأصبحت غالبية المستشفيات خارج الخدمة، وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات مدمرة بالكامل، مما يجعل من الحياة في غزة أشبه بالمستحيل.
الفصل الثاني: مقارنة مؤلمة
إذا نظرنا إلى حروب سابقة، فإننا نجد أن ما يحدث في غزة يتجاوزها في القسوة والهمجية. في حرب البوسنة، التي استمرت ثلاث سنوات، قُتل حوالي 100 ألف شخص، منهم 8 آلاف في مذبحة سربرنيتسا، ولكن في غزة، قُتل أكثر من 30 ألف شخص خلال 5 أشهر فقط.
كما أن القصف العشوائي على غزة يتجاوز في وحشيته أي قصف جوي شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ففي غزة، يتم استخدام أطنان من المتفجرات على مناطق مكتظة بالسكان، مما أدى إلى تدمير أحياء كاملة وتحويلها إلى ركام.
الفصل الثالث: معاناة إنسانية فوق الوصف
في كل زاوية من زوايا غزة، هناك مشهد ألم ومعاناة. آلاف الأطفال الأيتام الذين فقدوا عائلاتهم، وآلاف العائلات التي فقدت كل ما تملك، وأصبحوا بلا مأوى.
إن غزة اليوم هي سجن كبير، حيث يفتقر السكان إلى أبسط مقومات الحياة، من الغذاء والدواء والماء. لقد تحولت المدارس والمساجد إلى مراكز إيواء، ولكنها أيضًا لم تسلم من القصف. هناك مرضى السرطان الذين ماتوا لعدم توفر العلاج، وجرحى ماتوا لعدم توفر الأدوية والمستلزمات الطبية. إنها كارثة إنسانية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
الفصل الرابع: صمت العالم
المأساة الأكبر هي الصمت المخزوي للعالم عن ما يحدث. صمت لا يزال يثير الدهشة والاستغراب، ويضع علامات استفهام كبيرة حول قيم الإنسانية التي يتشدق بها الغرب.
إن المبادئ والقوانين التي وضعت لحماية المدنيين في أوقات الحروب، مثل اتفاقيات جنيف، قد انتهكت بشكل صارخ في غزة، ولكن العالم لا يزال صامتًا، يراقب من بعيد، وكأن ما يحدث ليس إلا فيلماً سينمائياً.
في الختام:
غزة اليوم ليست مجرد بقعة جغرافية، بل هي رمز لصمود شعب تحت الحصار، ورمز للضمير الإنساني الذي يجب أن يستيقظ قبل فوات الأوان. إنها صرخة في وجه الصمت، ونداء إلى كل إنسان يمتلك ذرة من ضمير، لكي يرفع صوته ويقف في وجه الظلم، من أجل غزة، ومن أجل الإنسانية جمعاء.
إن غزة اليوم هي الرماد الذي يخفي ناراً، وناراً ستظل مشتعلة حتى ينال الشعب الفلسطيني حقه في الحرية والكرامة. ولن يمحو التاريخ هذه الصفحة السوداء من الظلم، ولن ينسى العالم أبدًا كفاح أهل غزة.
*عضو مؤسس في منتدى مصر لدراسة اسرائيل