حضارة المعلبات

بقلم / عصام زايد
نقطة السقوط
لم تكن مع انهيار المدن،
ولا مع خراب الأسوار،
بل حين صمتنا
وصرنا نقتات
على المعلبات
أسئلة محشورة في علب،
وأجوبة مكدسة بجوارها،
يحملها رقص وزمر،
يقدم كفاكهة رديئة
للغافلين
وجوه بلهاء،
صدئة الملامح،
ممهورة بختم الغباء،
كأنها مواكب جنائز،
تحمل نعوشا لأحياء.
نعوش كثيرة تسير،
ينبعث منها مواء مبحوح،
رؤوس تطل من الأخشاب،
تحدق في الأفق ثم تموء
سأل طفل صغير
أين المقابر؟
فجاءه الجواب مواءً طويلاً
كأنه نشيج بلا كلمات
قال رجل متهدج الصوت:
هذه النعوش تمضي إلى مدينة بعيدة،
قيل إن فيها حلبة نقاش،
تتصارع فيها الأفكار،
وتموت قبل البلوغ
في المدينة البعيدة،
جلس مفكر يرتب أوراقه،
وحوله صبية كشتل طيب،
يناقش بهدوء معنى الصراع،
يسمع ويستمع ويحاور،
حتى أنبت البذر حدائق غناء.
لكن فجأة
وصلت النعوش الموبوءة،
تنبعث منها أصوات المواء،
قفزت منها أجساد بلا اغتسال،
تقتلع الزرع، وتقتاد الصغار،
والمعلم يركض خلفهم،
وبيده الأوراق
كأنه يمسك بأنفاس
الفكرة الأخيرة
وغاب الجميع في غبار الطريق،
وظنوا أن المقابر أغلقت أبوابها،
غير أن الريح حملت ورقة يتيمة،
تأبى أن تدفن،
وتهمس في العراء:
ما زالت هناك فكرة حية
في مكان ما
عصام زايد
كاتب وباحث وخبير في علوم الإدارة