الإنسانية بين الفطرة الربانية وتناقضات الواقع

✍️ بقلم: ممدوح الشنهوري
الإنسانية.. هبة إلهية لا تُكتسب
يُقال إن للإنسانية معنى عميقًا في الحياة، غير أن استيعاب جوهرها الحقيقي لا يكون إلا لمن منحه الله تلك النعمة الربانية لحكمة خاصة. فالإنسانية ليست شعارًا أو ثوبًا يمكن ارتداؤه متى شاء المرء، بل هي فطرة إلهية عظيمة يخصّ الله بها بعضًا من عباده الصالحين.
اختلاف المعايير عند البشر
ورغم عظمة معنى الإنسانية عند الله سبحانه وتعالى، إلا أن تطبيقها يختلف كليًا عند البشر. فالبعض يقصرها على أبناء جنسه أو عشيرته، وآخرون يمارسونها وفق مصالحهم أو ثقافتهم أو أهوائهم الخاصة، حتى غدت المعايير متناقضة وبعيدة عن جوهرها الحق.
الإنسانية في الحروب والأزمات
في الحروب والأزمات الكبرى، يظهر بوضوح زيف هذه الإنسانية البشرية. وما يحدث اليوم في غزة من مجاعة وقتل آلاف الأطفال على أيدي الاحتلال الإسرائيلي خير مثال على ذلك، إذ لم يتحرك جفن لأغلب دعاة الإنسانية في الغرب أو في كثير من الدول العربية، وكأن الإنسانية لديهم تخضع لمعايير مغايرة لما شرّعه الله في كتبه السماوية.
وقد جاء في الحديث الشريف:
«يا أيها الناس، ألَا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألَا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى» (رواه أحمد).
شعارات بلا تطبيق
المحزن أن إنسانية بعض البشر لا تعدو كونها شعارات براقة أو عبارات منمقة لا تمتّ للواقع بصلة. فكثيرون يستعرضون إنسانيتهم عبر الإعلام ومنصات التواصل، بينما في الحقيقة يُخفون قلوبًا قاسية وضمائر غائبة لا علاقة لها بالرحمة أو العون.
الإنسانية الحقيقية.. فعل لا قول
المعنى الحقيقي للإنسانية كما أراده الله هو الرحمة بالفعل قبل الكلمة، ومساعدة الملهوف دون تمييز في الدين أو العرق أو المكانة الاجتماعية، بل حتى إن كان عدوًا منكسرًا لا حول له ولا قوة. فالإنسانية الحق تُترجم بالأفعال لا بالأقوال، وبالعطاء لا بالشعارات.
بين ضمير حي وآخر ميت
ما زال هناك أناس وهبهم الله ضمائر حية، يتحركون تلقائيًا نحو الخير، ويغيثون المحتاجين بلا سؤال عن هويتهم أو انتمائهم. هؤلاء هم الذين يُجسدون الإنسانية في أنقى صورها. أما أصحاب الضمائر الميتة، فمعاييرهم لا تقوم إلا على المصالح والمكاسب والتلاعب بعواطف البسطاء عبر الإعلام والخطابات الزائفة.
الخلاصة
يبقى المعنى الأعمق للإنسانية في النهاية سؤالًا مفتوحًا:
نحن جميعًا بشر، لكن… من منا يستحق حقًا أن يُطلق عليه لقب إنسان؟
ممدوح الشنهوري
كاتب صحفي وعضو المنظمة المصرية والدولية لحقوق الإنسان