أراء وقراءات

رد استفزازي على البيان الختامي .. وغزة تدفع الثمن دائما

 

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير

في زمنٍ تتكاثر فيه المؤتمرات وتتناسل فيه البيانات، تبقى غزة وحدها تدفع الثمن. فبينما تُكتب الكلمات على الورق، تُكتب الحقيقة على أجساد الأطفال، وعلى جدران البيوت المهدّمة

من الأندلس إلى غزة: التاريخ يعيد نفسه

زار سائحٌ الأندلس، وهناك التقى بمترجمٍ مثقف، فدار بينهما حديث عن رحيل المسلمين عنها قال المترجم: (كان العرب هنا يوم كانوا لله خلائف، ثم طُردوا منها لما صاروا في الأرض طوائف)

عبارة تختصر التاريخ، وتوجز المأساة، وتبين كيف تحوّل الوجود العربي من حضارة ممتدة وبصمة شاهقة، إلى شعوب متفرقة تتنازعها الطوائف والانتماءات الضيقة، فتذروها الرياح كما تُذرى أوراق الخريف اليابسة.

وإذا كان لهذه المقولة مرآة حقيقية تعكسها بوضوح اليوم، فهي فلسطين، التي باتت جسدًا منهكًا تنخره الصراعات، لا فقط مع الاحتلال، بل بين أبناء البيت الواحد.

الصفعات السياسية

فلم يكد يجف حبر البيان الختامي للمؤتمر العربي الإسلامي الأخير، حتى خرج نتنياهو كعادته يوزع الصفعات السياسية بوجه مكشوف فالرجل لا يُبالي لا بالجامعة العربية، ولا بالمنظمة الإسلامية، ولا حتى بظل مجلس الأمن تصريحاته الاستفزازية بعد المؤتمر قالها ببرود: (إسرائيل ستفعل ما تشاء)

وفي اللحظة ذاتها، بينما المؤتمرات تكتب (نحن مع غزة) كانت الطائرات الإسرائيلية تكتب على جسد غزة سطرًا آخر (نحن فوق غزة)

فالبيان الختامي يتحدث عن «الوقوف صفًا واحدًا»، بينما الصف الوحيد الذي لا يزال قائمًا هو صفّ النازحين على رغيف الخبز البيان يندد «بالإجراءات الإسرائيلية غير الشرعية»، بينما الشرعية الوحيدة التي يعترف بها الاحتلال هي شرعية دبابة فوق صدر طفل والبيان يكرر «المطالبة بوقف العدوان»، بينما العدوان نفسه يحتفل يوميًا بانتهاك كل الحقوق الإنسانية والشرعية!

وكالعادة، تدفع غزة الفاتورة فمنذ النكبة وحتى اليوم، لم يُكتب بيان عربي إلا وكان ثمنه دمًا فلسطينيًا؛ كأنها ضريبة رسمية تُسدد قبل نشر البيان في الصحف.

أما نتنياهو، فبدل أن يخشى البيان، خرج يؤكد لجمهوره أن «إسرائيل أكبر من أن تهتز من مؤتمرات أو بيانات» وهو محق، للأسف؛ لأن البيانات لم تُسقط يومًا طائرة، ولم توقف دبابة، ولم تحمِ بيتًا من صاروخ وشعب غزة يُدرك أن خلاصه ليس في الكلمات، بل في الأفعال… من «إخوة الدم»

فإذا كانت المؤتمرات تُنتج بيانات، ونتنياهو يُنتج صواريخ، وغزة تُنتج شهداء… فبئس القسمة! إن الأمة التي أنجبت صلاح الدين لم تستطع أن تُنجب بيانًا واحدًا يُرعب عدوها وليتذكر الجميع أن التاريخ لا يحفظ النصوص، بل يحفظ الأفعال وغزة رغم الجراح ستبقى الجبل الذي سينهار أسفله الأعداء.

فقد كان العرب والمسلمون على قلب رجل واحد، كان الوجود العربي في فلسطين متجذرًا، شامخًا، محترمًا لم يكن يُنتزع شبر من أرضها إلا واهتز له جسد الأمة من المحيط إلى الخليج يومها كانت فلسطين قضية، لا ورقة سياسية؛ كانت قبلة قلوب، لا سلعة في مزادات السياسة يوم أن كانت الأمة «أمة»، وكان العدل مقصدًا، والوحدة طريقًا.

لكن… ما الذي تغير؟

صار كل فريق يرى في الآخر خصمًا لا شريكًا انقسمت القضية إلى ملفات، والحركات إلى جبهات، والقرارات إلى مصالح أصبح دم الشهيد وقودًا للجدل بدل أن يكون جسرًا للوفاق وغدت غزة ساحة اختبار للولاءات بدل أن تكون ساحة نضال واحد فضاعت البوصلة، فلم يعد الاحتلال وحده العدو، بل بات «الآخر العربي والمسلم» هو المنافس الأخطر في عيون البعض.

العدو… المستفيد الأكبر

وما أشد فطنة العدو حين يراك مشغولًا بنفسك، تطعن شقيقك بلسانك وقلمك، وهو يُحكم قبضته على أرضك وبينما تنهمك بعض الفصائل في حسابات الانتخابات والمناصب، يواصل الاحتلال ابتلاع الأرض، وتوسيع المستوطنات، وتهويد القدس، وتمزيق الضفة، وخنق غزة فالاحتلال يستفيد من كل خلاف، ومن كل بيان، ومن كل اجتماع، ومن كل مصالحة تُفشلها الأنا، وتُغيب عنها فلسطين.

باختصار… غزة تدفع الثمن، ونتنياهو يضحك وتُواصل غزة كتابة وصايا شهدائها على جدران البيوت المهدّمة

السفير د. أحمد سمير

عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة

السفير الأممي للشراكة المجتمعية

رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى