أراء وقراءات

رسالة إلى المجاهدين السوريين “القدامى”

بقلم/الدكتور عبد العزيز كامل

في أعقاب تحول الجهاد الأفغاني الأول في بداية التسعينات الميلادية من معارك تحرير إسلامية إلى حروب استنزاف أهلية، بسبب تخالف قادة المجاهدين القدامى بعد تحالفهم، ثم احترابهم فيما بينهم.. كتبت مقالا بمجلة البيان تحت عنوان : [ رسالة إلى المجاهدين الأفغان (القدامى) ] .. وذلك قياما بواجب (النصيحة لكل مسلم)..التي نصح بها الناصح الأمين – عليه أفضل الصلاة – وأتم التسليم كل المسلمين؛ كما في حديث الصحابي الجليل / جرير بن عبد الله، حيث قال : (بايعتُ رسولَ اللهِ على إقامِ الصلاةِ ، وإيتاءِ الزكاةِ ، والنصحِ لكلِّ مسلمٍ ، وعلى فِراقِ المُشرك.) رواه النسائي، وصححه الألباني [برقم ٤١٨٦]

 

●● وكان أعلام العالم الإسلامي من العلماء والدعاة والمفكرين قد تدخلوا وتوسطوا لإقناع الفرقاء الأفغان حينها بإيقاف تلك الفتنة، لكن دون جدوى؛ وكان مما جاء في رسالة النصح تلك بافتتاحية المجلة وقتها ..

 

_ لستم صحابة حتى نكف عما شجر بينكم ونكل سرائركم إلى الله ..

_ ولستم معصومين حتى نحسن الظن في كل الأحوال ببواطنكم في حال ظهور مخالفة الشريعة على ظواهركم ..

_ ولسنا مضطرين – سكوتًا أو مجاملةً – للامتناع عما بايع عليه النبي – صلى الله عليه وسلم أصحابه – أن يقولوا بالحق حيث كانوا..لا يخافون في الله لومة لائم..

 

●● .. واليوم ينبغي تكرار ذات الكلام؛ ليس في محنة حرب؛ بل في فتنة سلام، تتعلق بتصرف فج فاجع؛ يخالف محكمات الدين على أيدي قادة سوريين إسلاميين، وكلوا أمرهم ورأيهم إلى فرد واحد منهم، يتحرك وحده في دهاليز عالم السياسة الدولية المعقدة، بلا سابقة تجربة في هذا المضمار .. ولا لاحقة مشورة لعلماء أكفاء أحرار ، أو سؤال خبراء سياسيين، من المتخصصين في رصد كيد الكافرين ..

 

●● ينبغي أن يعي الجميع أن تخليص سوريا من أنياب ضباع الشرق لا يعني تمرير إلقائها لقمة سائغة تحت أضراس سباع الغرب، من خلال الانضمام إلى حلف شكله الصليبيون لحرب المسلمين وأسموه ( التحالف العالمي للحرب على الإرهاب) ليضم – حتى اليوم – تسع وثمانين دولة، أتمت حكومة السوريين “الثوريين” عددها إلى التسعين..!!

 

●● إن إنكار هذا المنكر لا يعني التنكر لمواقف التأييد بلاحدود لنجاح تلك الثورة في إسقاط الطاغية بشار، الذي استبشر المسلمون جميعا بزوال حكمه الفاسد، وانتهاء عهده البائد، ولقد كتبت – شخصيا – على هذا الحساب عند بدء تلك الثورة؛ خمس حلقات تحت عنوان ( الثورة السورية..تباشير ومحاذير) ..

ولكن يبدو أن محاذير كثيرة قد وقعت ولاتزال تقع، بأكثر مما كان يُحذر أو يُتوقع..

 

●● لا يعني هذا أن الأمر قد انفرط وأغلق على مشهد بائس يائس ؛ فلا زلنا نحسن الظن بأهل الإباء والفداء هناك، وكل الصادقين يوقنون بأن أرض الشام ستكون منطلقًّا لمجد وتمكين المسلمين.. ولو بعد حين؛ ولن يكون ذلك إلا على أيدي طائفة خاصة خالصة من المؤمنين، ستظل أوصافهم نبراسا يستضيئ به كل العاملين لنصرة الدين، حيث قال عنهم سيد المرسلين – صلى الله عليه وسلم – ( لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ) وفي رواية: (وهُمْ كَذلكَ) [ رواه مسلم/١٩٢٠ ]. ولا شك ان ظهورهم الميداني والبياني، لن يكون إلا بالحق، وعلى الحق، كما نص الحديث.

 

●● لقد كان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يُحَسِّن الحَسَنَ، ويُقبِّح القبيح، وقد كنا لذلك نُحَسِن ونثَّمِن عاليًا مع الأمة كلها إقدامكم في نصرة الحق من خلال جبهة النصرة وما بعدها، حتى تكلل نصركم بعد سنوات بدخول دمشق فاتحين مظفرين. بفضل رب العالمين .

ولكن اليوم ينبغي أن يقال : لا يغرنكم بالله الغرور .. فقد فتح مجاهدو الأفغان القدامى العاصمة ( كابل) وأخرجوا أشرار الشرق منها، ولكنهم بعد بضع سنوات تبوأوا مناصب “رفيعة” في حكومة عميلة رقيعة، نصبها غِربان الغرب، فانضمت إليها قامات كانت في القمة وقت الجهاد.. مثل رباني وسياف وغيرهما، لكنهم سقطوا بذلك من القمة إلى القاع، وكادوا يوقعون أفغانستان كلها في عالم الضياع، لولا أن الله استنقذها بطلاب العلم الصادقين، حيث ندبت حركة (طالبان) نفسها بإخلاص لنصرة الدين في بلاد الأفغان ..

 

●● فتحسسوا – أيها – المجاهدون القدامى _ مواقع أقدامكم ، وتخيروا مواطن إقدامكم أو إحجامكم .. ولا تتحولوا من الإحسان في مسيرة الفتح الطويلة؛ إلى الإساءة في مرحلة دقيقة قصيرة ، يمكن أن تحول مشهد الخاتمة إلى هزيمة قاتمة، من خلال انضمام الحكومة السورية المؤقتة بصورة دائمة لتلك المنظومة المشؤومة للحرب (العالمية) على الأمة الإسلامية.

 

●● إن هذه السقطة الهائلة المهولة؛ سوف تُسقط من كانوا وراءها- إن لم يتداركوا أمرهم – مهما كانت محاولاتهم لتسويغ أو تمييع طريقة تمريرها؛ وفيما آل إليه قادة المحاكم الإسلامية في الصومال، وساسة السنة في العراق .. عبرة لمن يعتبر؛ ومن لا يعتبر ..

كما أن وصف ( الإرهاب) في نظر مَكَرَة الغرب _ كما يعلم الجميع _ ليس مقصورّا على من عدَّهم علماء الأمة غلاة بغاة متنطعين؛ بل ستتعداهم قطعًا إلى غيرهم، ولا يستبعد توريطكم أو ( دعشنتكم) أنتم أو من في محيطكم، في مرحلة لاحقة؛ ولن يُعدموا وقتها حجة أو يفتقدوا ذريعة.. لأن تلك الحرب دبرت في الأصل لتشمل _ وقد شملت بالفعل _ كثرة كاثرة من العاملين بحق لنصرة الدين، مجاهدين مقاومين كانوا؛ أو سياسيين سلميين، أو حتى دعاة وعلماء ومفكرين. ممن يبصرون الناس ويعلِمونهم الدين، واسألوا نزلاء السجون..

 

●● ثم .. من قال إن قتال الغلاة أو البغاة المسلمين – وأكثرهم شباب مخدوعين مغررين – يجوز تحت رايات المشركين المحاربين..؟!..

ومن يضمن ألا يورطوكم مستقبلا في قتال المدافعين عن بيت المقدس وفلسطين.. أليسوا في حسابات ذاك التحالف مخربين ( إرهابيين)..!؟..

بل إن ستين جماعة ومنظمة إسلامية أخرى.. قد ألحِقت زورًا بقوائم الكيانات الإرهابية، كان آخرها (جماعة الإخوان المسلمين) السلمية؛ لا لشئ إلا لدروها في استثمار الثورات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى