بعد ستِّ سنوات عجاف..هل أسقطنا النظام أم الدولة؟!!(2) بقلم : الدكتورة وفاء الشيخي
صرخةٌ .. قبل فوات الأوان .. قبل أن يحرقنا البركان !!
الكثيرون لم تروقهم تسمية “ثورات” منهم من سماها انتفاضات، وبعضهم أطلق عليها :مؤامرات وبعضهم قال : نكبات وحسرات!!.
هب أنها ثورات، انقلبت إلى مؤامرات وانتهت بنكبات جرعتنا الويلات والحسرات !!.
فهل تَهُم الآن التسميات، أم الأهم أن نُوقف صراعاتنا،ا وننقذ ماتبقى من وطن، قدّم عظيم التضحيات ؟!!.
كفانا مهاترات وهرطقات، فالوطن مسلوبٌ .. منهوبٌ .. مخترق من جميع الاتجاهات .
نعم .. الثورات سُرقت، والأموال أهدرت، والأرواح أُزهقت، والنساء اغتصبت ورُملت، والعوائل هُجِّرت، والسفهاء اعتلوا سُدة الحكم، والروبيضات تصدرت، وأوطان بأكملها دُمرت ..حتى مآقينا جفت، وحناجرنا بُحت، وقلوبنا من الحزن انفطرت !!
فماذا ننتظر لنجمع شتاتنا، ونوحد كلمتنا، ونعمر أوطاننا ، ونبني مستقبلنا ومستقبل أولادنا وأحفادنا، فلن يفيدنا تقديسًا أو تسفيهًا للثورات، ولن يُجدي النّواح على مافات، نريد أن نستعيد البوصلة التي تُحدد طريقنا .. وتُصحح مسارنا ووجهاتنا، ونضئ سراجًا ينير دوربنا .
يأيها الثوار قد كنتم أبطالاً في بداية المشوار ، ومضيتم بعزيمة وإصرار، لتخليص الوطن من المستبدين الأشرار، وفكرهم العفن، فلماذا – اليوم – تطلبون الثمن، وتحوَّل بعضكم الى ثيران .. تدمر وتُخرب المدن في السر والعلن ؟!.
وأنت أيها المعارض القديم ،المناضل المشهور، يا سجين الفكر يا أيها المقهور، هل عُدت من أجل منصب، أم لك في ذلك حاجة ومأرب، ألا يكفينا نزاعًا على وطن مغدور، ألم يأنِ الوقت لجمع الشتات وفاءً للشهداء ومن سكنوا القبور ؟!.
يا ساسَاتِنا الكرام ، إلى متى تتخاصمون ؟!! وتتشاجرون، يُهدِّد بعضكم بعضاً، وهل يليقُ بكم أن تتبادلوا الشتائم فيما بينكم، أخبرونا بالله عليكم متى ستفيقون .. ثمّ تتفقون؟!
يأيها الغارقون في الملذات، وتسكنون في القصور المشيدةٍ وفنادق السبع نجوم، وأبناؤكم يدرسون في أرقى المدارس وأشهر الجامعات، يرتادون أغلى النوادي والمنتجعات، يركبون أغلى السيارات، يرتدون أشهر الماركات، والمواطن البسيط لا يجد الفُتات، يقف في طوابير المهانة ليجني الخيبات، والعدو ينحرنا كالشياه، وترابنا الغالي زرعوه ألغاماً ومتفجرات، وأعدادُ الضحايا تزدات بالمئات .
أفيقوا جميعًا قبل أن يأتي يومٌ لا ينفع فيه الندمُ على وطن مستباح، أفقيوا قبل أن يأتي يومٌ لا ينفع فيه العويلُ ولا الصياح، قبل أن تجدوا أنفسكم تحت ظلم مستعمرٍ غاشم، أو سيف مجرمٍ سفاح .
أمامنا الكثير من التحديات، بعيدًا عن الخطابات الفضفاضة، وهشاشة البيانات، نحن بحاجة لترتيب الملفات وجمع الأطراف المتنازعة من ساسة وأحزاب وجماعات، على طاولة المشاورات، فيكفي مَن مات من رجالنا وفلذات أكبادنا، ومَن هاجر وغادر أرض الوطن من إخواننا وأخواتنا اللاتي ثكلن أمهاتهن، والمستفيد الوحيد من كلّ هذه المآسي هو عدونا، فهلموا نسترجع أوطاننا، ونرسي آمننا وأماننا، بمساعدة قبائلنا وعشائرنا وعقلائنا، وخبرائنا وحكمائنا، نحتاج اليوم قوة العقل لا قوة السلاح، نحتاج تبادل الآراء في نقاشات هادئة وحورات هادفة، والتاريخ مليء بالعبر العظات، فكل الحروب انتهت إما إلى أجندة سلام أو أجندة اتفاق بعد بعد سلسلة من المفاوضات، لا مستحيل فالتجارب تتكرر، والسيناريوهات لا تتغير، نفس النتائج النهائية ، ضياع الموارد والثروات، وخصم من رصيد البشرية .
ضاع الماضي فهل نُضيِّع المستقبل ؟!!!.
انتهت مرحلة الثورة، وحان وقت البناء والتعمير، بعد الخراب والتدمير، مرحلة تحتاج اتفاق اجتماعي على المستقبل والمصير، وحاضنة كبرى للصغير والكبير، ووثيقة تجمع شرائح المجتمع، لا تميّز بين غنيٍّ أو فقير وزيرٍ كان أم غفير .
هذه الوثيقة التي جمع بها رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم المسلمين واليهود، القواعد والمجاهدين ، ومن أسلم حديثا ومن كان من السابقين، أمة واحدة في العالمين، لم يستثني أحداً ولم يكن لهم من القاصين .
هذه المرحلة هي التحدي الأكبر، والتي عادة ما تفشل فيه كثير من المجتمعات لأسباب أبسطها المساواة بين من شارك ومن لم يشارك في التحرير، ومن هلل وصفق ، ومن جاء متأخرا ولم يعلق، ومن ينتمي للنظام السابق، ومن كان متملقاً متلسقاً ..
بالرغم من أن الرسول الأكرم جمعهم جميعا، تحت مظلة العدل والمساواة في ظل قانون وقضاء يحكم بينهم ولم يفرق .
ولكي نخلق سواعد بناء قوية يجب أن يكون لدينا وعي حقيقي بالأهداف والغايات الوطنية، التي قامت من أجلها الثورات، ونوايا حقيقة لتصحيح المسارات، ودستورٌ عادل ، وخطابٌ متزن شامل .
لعلنا إن تناسينا آلامنا وأحزاننا، ولملمنا جراحنا، وأنكرنا ذواتنا من أجل بناء وتشييد أوطاننا، ومستقبل أبنائنا وفلذات أكبادنا وأجيالنا القادمة، نجد في ذلك عزاءنا وسلوانا، فما أسقطنا أنظمتنا لنضيع أوطاننا.