أراء وقراءات

إرهاصات الزمن الأخير !

بقلم: ياسر راجح

مع تزايد الصعوبات والأعباء الإقتصاديةِ بشكلٍ ضاغطٍ مطرد ، مصحوبًا بإرتفاع غير منطقي لسقف الطموح رغبةً في الصعود والطفو على سطح المجتمع بلا مقومات حقيقية مؤهلة ، تراجعت بشدة ليس فقط أحوال الناس المعيشية، بل و الأخلاقيةِ أيضاً. و تقلصت بشكلٍ كبير مساحاتِ الود والإحترام والتفاهم والمرؤة والشهامة والنخوة فيما بينهم لحساب نقيضها من الخسة والوضاعة والأنانية المفرطة وعدوانية لا معنى لها  أو مبرر. فتفشت في المجتمع الأمراض والأوبئة الأخلاقية وكثيرًا من الظواهر السلبية الغريبة عليه، كالتنمر والتحرش والبلطجة والتسول والنصب والإحتيال وخيانةِ الأمانة والإستغلال وصورٍ متعددةٍ شتى من ظلم الإنسان لنفسه قبل ظلمه لأخيه الإنسان.

ومثال على ذلك ما قرأته قريبًا بإحدى مواقع التواصل الإجتماعي الشهيرة عن سيدة فاضلة ذات منصبٍ علميٍ رفيع بالجامعة إعتاد زوجها أن يسطو على راتبها الشهري بشكلٍ أو بأخر و تحويله لحسابه الخاص من المنبع في حين يرفض بشكلٍ قاطع أن يأتي لها بعاملةٍ تساعدها في أعمال المنزلِ و أعبائه .و لا أدري كيف تركت سيدة على هذا المستوى من العلم والثقافةِ والمعرفة لزوجها الفرصة كي يبتزها على هذا النحو القبيح الفج، أعانها الله عليه !

كما روت لي صديقة عزيزة تعمل في مجال البحث العلمي عن زميلةٍ لها, دكتورة, تعمل في مجال البحث العلمي أيضًا, تأخر بها سنُ الزواج قليلاً عن المعتاد في مجتمعنا, لظروفِ الدراسةِ والبحث العلمي و العمل فإنتهز تلك الفرصة محامي فاشل ليقنعها بالزواج منه طمعًا في راتبها الشهري الجيد نوعًا ما.

ثم قام بإجبارها على إقتراض مبلغًا كبيرًا من أحد البنوك بضمان الراتب ليأخذ هو هذه الأموال ويشتري لنفسه سيارة ومنزل جديد تزوج فيه من إحدى قريباته. وترك زوجته الأولى, الممول لأحلامه في الحياة، لتعيش مع أطفالها مهملةً وحيدة, حياةً صعبة قاسية في شقةٍ صغيرةٍ بسيطة التجهيز بحيً شعبيٍ قديم.

وعندما سعت لوساطة الأهل والأقارب حفاظًا على بيتها من الخراب ورحمةً بأطفالها, تعامل معها الزوج بنرجسيةٍ مريضة ، مرددًا ” أعلمُ أنك في إنتظار كلمةٍ مني وأنني لو أشرتُ إليك بإصبعي هكذا وأنا جالسٌ على المقهى المواجهُ للبيت واضعًا ساقٍ على ساق ستأتين إلي لاهثةً مع الأولاد “.

هل سمع أحدكم بشيئٍ كهذا من قبل ! مستوى غير مسبوق من الخسة النذالة . هل يمكن أن يسمى هذا و أمثاله رجلاً ؟!   

سمعتُ أيضًا عن دكتورة تشغل منصب إداري رفيع المستوى بإحدى الكليات العلمية، من المفترض بحكم موقعها الوظيفي المرموق أن تجمع بين الأمانة العلمية التي يتسمُ بها كل  باحثٍ نزيه يتعبد إلى الله بإجتهاده في مجالٍ ما من مجالات العلم .

و بين أخلاقيات المنصب الذي قبلت أن تتحمل أعبائه وتبعاته كأي مسؤلٍ  شريف, بيد أنها مع الأسف إستعملت سلطتها بلا وازعٍ من ضمير في السعي لإنتزاع حق مناقشة رسالة دكتوراة لإحدى الطالبات بالكلية من زميلةٍ لها ، دكتورة متخصصة في المادة العلمية موضوع البحث، بعدما بذلت من جهد في الإشراف على الطالبة و تأهيلها لمناقشة الرسالة على مدى خمس سنوات مضت . على الرغم من أن موضوع الرسالةِ لا يمت بصلة من قريبٍ أو بعيد لتخصص تلك المسؤلة المبجلة، غير أبهةً بصورة الكلية و مركزها العلمي أمام جهات التحكيم في الخارج ! .

إنها صورةٌ أخرى من صور السطو بالإكراه و العدوان على الحقوق الأدبية للأخرين، و تعكير صفوهم النفسي وخلخلة الأمن والسلام الإجتماعيين في مؤسسة أكاديمية راقية ذات تاريخٍ عريق،رغبةً منها في تحقيق نصر علمي زائف تعلمُ هي جيدًا أن لا حق لها فيه !

 و غير هذا  كثيرٌ  وكثير ، حدث و لا حرج، غيضٌ من فيض، فماذا حدث لنا ؟!

 لم تكن تلك أخلاقنا أبدًا يومًا ما .فهل هي إرهاصات الزمن الأخير الذي يؤتمن فيه الخائن ويخون فيه الأمين ،وتفسد فيه الضمائر وتمرض فيه القلوب ، كما  ورد في نبوءات الكتب المقدسة جميعًا و نصوصها. و هل ننتظر الساعة كما أخبر رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كنتيجةٍ حتمية مؤكدة عندما يوسد الأمر إلى غير أهله ؟.  أم أنه مازال للخير مكانًا في نفوس الناس ، و لم يتمكن منها الشر بعد. فإن كان ذلك كذلك، فهل إلى رجوعٍ من سبيل ؟

14 سبتمبر 2021 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.