أراء وقراءات

الإدمان الخفي: كيف تُصمَّم التطبيقات للتحكم في وعينا دون أن نشعر؟

بقلم / الدكتورة هناء خليفة

نفتح هواتفنا بدافع الاطمئنان على رسالة أو إشعار سريع، ثم نجد أنفسنا بعد ساعة غارقين في تدفق لا ينتهي من المنشورات والفيديوهات. هل هو ضعف إرادة؟ أم أن الأمر أعمق بكثير مما نتصور؟ الحقيقة أن معظم التطبيقات لا تُترك للصدفة؛ بل تُصمَّم بعناية لتُبقي عقولنا مشدودة إليها، دون أن ندرك أننا وقعنا في فخ الإدمان الخفي.

*آليات الجذب الخفي

شركات التكنولوجيا تستعين بخبراء في علم النفس السلوكي لتصميم واجهات تستغل أضعف نقاطنا. الإشعارات الحمراء ليست مجرد لون جميل، بل إشارة بصرية مرتبطة بالخطر والانتباه. خاصية التمرير اللانهائي (infinite scroll) لا تتيح لنا لحظة توقف طبيعية، كأننا أمام سلسلة لا تنتهي من المفاجآت الصغيرة التي تُبقي الفضول مشتعلاً.

*مكافآت متقطعة تخدع الدماغ

أخطر ما في الأمر أن التطبيقات لا تكافئنا بشكل ثابت؛ أحيانًا نجد فيديو مضحكًا، وأحيانًا تعليقًا لطيفًا، وأحيانًا لا شيء يُذكر. هذا النمط يُسمّى في علم النفس التعزيز المتقطع، وهو من أكثر الأساليب التي تجعل السلوك صعب التوقف؛ لأن العقل يظل في حالة ترقب دائم لاحتمال الحصول على “المكافأة” التالية.

*وعي مخدَّر

مع الوقت، يتحول الهاتف إلى “امتداد للذات”، والعقل يتأقلم على التدفق المستمر للمنبهات. هنا يحدث ما يسميه العلماء “الوعي المخدَّر”: حيث نفقد القدرة على التركيز العميق، ونكتفي بجرعات سريعة من المتعة اللحظية التي تتركنا في فراغ داخلي أكبر.

*هل يمكننا كسر الحلقة؟

الإدراك هو الخطوة الأولى.. أن نعرف أن هذا الإدمان مُصمَّم عمدًا يجعلنا أكثر قدرة على مواجهته. الحل لا يكمن في الهروب من التكنولوجيا، بل في إعادة ضبط علاقتنا بها: تحديد أوقات محددة للتصفح، إغلاق الإشعارات غير الضرورية، وممارسة أنشطة تستعيد تركيزنا مثل القراءة أو المشي.

وختاماً.. استعادة وعيك ليست خيارًا ثانويًا، بل هي أول خطوة نحو الحرية الرقمية. التكنولوجيا قد تحاول أن تُوجّه انتباهك، لكن القرار النهائي يظل ملكك. اختر أن تكون سيد وقتك، لا أسير شاشتك.

دكتورة هناء خليفة 

دكتوراة في الإعلام من كليه الاداب جامعه المنصورة
مهتمة بقضايا الفكر والوعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى