الصراط المستقيم

السفير أشرف عقل يكتب عن رسالة المسجد وحال مساجدنا اليوم

 عمار المساجد هم أولياء الله عز وجل وأحباؤه من خلقه ، يقول سبحانه : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ } . سورة التوبة .

* وعمارة المساجد نوعان :

– الأول : العمارة الحسية وذلك ببنائها وتشييدها ، ففي الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال : ” من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتا في الجنة ” .

– والنوع الثاني من عمارة المسجد : وهى العمارة المعنوية ، وذلك بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم ، وتلك العبادات وغيرها هي مراد الشارع في بناء المساجد وإقامتها .

* آداب المساجد :

– إن المساجد بيوت الله قد عظمها ربها ، وقدرها نبينا محمد صل الله عليه وسلم ، فسنّ لها آدابا وأحكاما وفضائل يحسن بنا أن نذكّر بها ، فمن آداب المساجد :

١- التنظف والتطهر والتطيب عند الذهاب إلى المساجد ، قال تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } سورة الأعراف . وروي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه إذا قام للمسجد لبس أحسن ثيابه وأجودها ، فسئل عن ذلك ، فقال : إن الله جميل يجب الجمال ، وإني أتجمّل لربي وهو يقول: { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } .

٢ – تنظيف المسجد وتطييبه ، فكما أن المسلم مستحب له أن يأتي للمسجد متطهرا نظيفًا ، فكذلك ينبغي أن يكون المسجد مهيئا للمصلين بنظافته وصيانته عن كل ما يؤذيهم ، إذ أن أجر ذلك عظيم عند الله تعالى .

٣ – ينبغى أن يتحلى الماشي إلى المسجد بالسكينة والوقار ، فلا يسرع في مسير ، ولا يزعج الناس . ألا وإن من سوء الأدب أن يوقف الرجل سيارته أمام باب المسجد مباشرة بحيث يسدّ على الناس باب المسجد أو يضايقهم في الخروج منه ، والسير بالأقدام إلى المسجد أفضل ، ما أمكن ذلك ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صل الله عليه وسلم قال : ” من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيتٍ من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداهما تحطّ عنه خطيئة ، والأخرى ترفع درجة ” .

٤ – يتعين الدخول إلى المسجد بالقدم اليمنى ، والخروج بالقدم اليسرى ، وذكر الدعاء الوارد في ذلك ، وهي سنة تكاد تفقد الآن عند كثير من الناس .

٥ – طالما أن المسجد هو بيت الله العظيم ، فلا بد لداخله الذي يريد الجلوس فيه من تحيته وهي ركعتان ، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال : قال النبي صل الله عليه وسلم : ” إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ” رواه البخاري ، وهو من السنة المؤكدة جدًا التي يتساهل فيها بعض الناس فى هذا الزمان .

٦- فضيلة الصف الأول في المسجد ، جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال : ” لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ” أي : لو يعلمون كم من الأجر العظيم في الصف الأول لتنازعوا عليه حتى تكون بينهم القرعة .

٧ – يتبع الأدب السابق ترتيب الصفوف وتسويتها ، ففي الصحيحين يقول صل الله عليه وسلم : ” لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ” ، لذا ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن التسوية واجبة وأن تاركها آثم ، وكان النعمان بن بشير يقول : كان صل الله عليه وسلم يسوي صفوفنا كأنما يسوي بين القداح .

* أمور يجب عدم إتيانها :

– كما أن هناك أمورا يحذَّر من الإتيان بها في المساجد صيانة لبيوت الله وحفاظا عليها ، ننبه عليها لما يرى الرائي من تساهل الناس في ذلك ، وهى :

١ – دخول المساجد بالرائحة الكريهة كالثوم والبصل ونحوهما ، ففي صحيح مسلم يقـول صل الله عليه وسلم : ” من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ” . وفي مثله رائحة الدخان . وقد يكون أشدّ منه وأعظم إثمًا الدخول بالجوال مفتوحا لتسمع الرنين هنا وهناك ، فإن كلا من صاحب البصل أو الثوم قد آذى اثنين وهما مَن بجانبه ، بيد أن صاحب الجوال يؤذى العشرات من المصلين ويبوء بإثمهم .

٢ – تخطي الرقاب في المسجد وما فيه من الأذية للناس ، وصح عن النبي صل الله عليه وسلم أنه غضب على الشخص الذى يتخطى رقاب الناس وقال له : ” اجلس فقد آذيت وآنيت ” .

٣ – البصاق في المسجد والتفل ونحوه وما في معناه عندما يتسوك المصلي فيتفتت السواك في فمه فيتفله في المسجد .

٤ – الصلاة بين السواري وهي الأعمدة التي في المسجد ، ففي صحيح ابن خزيمة عن قرة قال : كنا نُنهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها طردًا . فيكره الصلاة بينها لأنها تقطع الصف ، إلا في حالة ضيق المكان فيجوز ذلك للحاجة .

٥ – إنشاد الضالة في المسجد ، بمعنى إذا ضاع لشخص شيء ما ، بدأ برفع صوته طالبا له ، فهذا دعا عليه النبي صل الله عليه وسلم كما ورد فى صحيح مسلم بقوله : ” لا ردها الله عليك ” .

٦ – العبث واللهو واللعب في المسجد ،  وهذا يحدث كثيرا من الأطفال ، بل قل : إنه يحدث في بعض الأحيان من فتيان ناهزوا الاحتلام ، ووالله إنه لخطأ جسيم ، ما أكثر المساجد التي تشتكي منه اليوم .

٧ – رفع الصوت في المسجد حتى ولو كان بقراءة القرآن ، فإذا كان مؤذيا ومشوشا على المصلين فلا ينبغي أن يحدث .

* رسالة المسجد :

– كان المسجد في عهد السلف الصالح وصدر هذه الأمة الوضاء منطلقا للجيوش والمجاهدين في سبيل الله ، كما كانت الخطط والتدابير والأمور العسكرية تنطلق من المسجد ، لأن انطلاقها منه لها قوة لا تدانيها قوة .

– كما كان المسجد ملاذًا لهؤلاء السلف ، إذا ضاقت بهم الهموم واشتبكت الغموم أتوه وانطرحوا بين يدي ربهم ، فتنفرج لهم الدنيا .

– كان المسجد أيضا ، في عهد السلف الصالح منارة هدى ومعهد تعليم ومدرسة تربية ، لكَم تعلم فيه الجاهل ، واتعظ فيه الغافل ، واسترشد فيه الضال ، واهتدى فيه المنحرف .

– أيضا ، كان المسجد في عهد سلفنا مكانا لإطعام الجائع ومواساة الفقير ، فبالله أهل الصفة في عهد رسول الله صل الله عليه وسلم أين كانوا ؟! كانوا في المسجد .

– كان المسجد في عهد السلف الصالح  يضج بالبكاء ، وتتعالى فيه أصوات التكبير والتسبيح والثناء والألسنة الصادقة بالدعاء ، فما أن يدخله الداخل حتى يزداد إيمانه ، ويشتدّ في الحق بنيانه .

– كذلك ، كان  المسجد مدرسة الأجيال وملتقى الأبطال ، خرج من بين جنباته المفسر للقرآن الكريم ، العالم به والمحدث والفقيه والخطيب والمجاهد ، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، والداعي إلى سنة رسول الله صل الله عليه وسلم ، فأخرجت رحاب المساجد آنذاك قادة الدنيا الذين غيروا وجه التاريخ ، وأصبحت سيرتهم غُرة في جبين الزمن وأنموذجا لم تعرف البشرية مثله .

– ولنا أن نسأل : وما هي تلك المساجد العظيمة التي أخرجت هؤلاء العظماء ؟ وللإجابة نقول : إنها مساجد بنيت من الجريد وسعف النخيل ، إنها مساجد بنيت من الطين ، قد تجد فيها سراجا ضعيفا ، وقد لا تجده ، إنها مساجد لم تكن مكيفة ولا منمقة ولا مزخرفة ،  لكنها أخرجت أولئك العظماء لأن العبرة بأهل الدار وليس بالدار .

* حال المساجد اليوم :

– إن مساجد اليوم تحتاج إلى نظرة بعين العبرة لحالها ، إذ أن التاريخ لم يعرف مساجد فيها من وسائل الراحة كمساجد اليوم ، ولكن أين الخريجون منها ؟!

– وبالتالى ، يتعين علينا جميعا أفرادا ومسئولين أن نسعى لتفعيل إحياء رسالة المسجد من خلال الوسائل التالية :

– عقد الدروس الشرعية والدورات العلمية ، وذلك بواسطة العلماء وطلاب العلم في شتى صنوف العلوم الشرعية من عقيدة وفقه وحديث وتفسير وغيرها ، وذلك بين الفينة والأخرى ، لا سيما في مواسم العُطَل والإجازات .

– إلقاء المحاضرات والندوات ، والمقصود بذلك المحاضرات التي يحتاجها المسلمون في حياتهم ، وهذه تختلف عما سبق من حيث إنها لا تركز على شريحة معينة من المجتمع كطلبة العلم ، بل تتوجه إلى عموم الناس .

– إلقاء بعض الكلمات والمواعظ الموجزة  بين الفينة والأخرى بحيث يستفيد منها جميع رواد المسجد خاصة أهل الحي ، على أن يُرَاعى في ذلك كله الأوقات المناسبة حتى لا يملّ الناس .

– إنكار المخالفات الشرعية نصحاً لعامة المسلمين ، وذلك عند وقوع أحد منهم في مخالفة داخل المسجد .

– التعاون على إماتة البدع والخرافات من المسجد إن وُجدت ، ثم إحياء السنن التي أُميتت وما أكثرها .

– جمع التبرعات والصدقات للمحتاجين ، والمقصود بذلك الدعم المالي المتواصل للمحتاجين من الأسر الفقيرة القاطنة بالحي ، ولدعم المشاريع الخيرية أو لقضايا المسلمين في الخارج .

– بناء المساجد وتشييدها ، والنصوص الدالة على فضل بناء المساجد كثيرة ، من أشهرها حديث عثمان – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ” من بنى مسجداً لله يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة ” .

– عمارة المسجد الحسّية : لا شك أن الاهتمام بعمارة المسجد الحِسِّية من شعائر الله التي أمرنا بتعظيمها . قال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } (النور : ٣٦ ) ، قال قتادة : هي هذه المساجد أمر اللّه سبحانه وتعالى ببنائها وعمارتها ورفعها وتطهيرها . وفسر مجاهد رفعها ببنائها ، فيدخل في رفعها ، بناؤها ، وكنسها ، وتنظيفها من النجاسات والأذى .

– العناية بمصليات النساء ، على أن يشملها كل ما يشمل مصلى الرجال ، مع مراعاة الفوارق الشرعية ؛ فقد كان – صل الله عليه وسلم – يهتم بشأن النساء في المسجد ، فأذن لهن في الحضور إلى المسجد ، ونهى عن منعهن من ذلك ، مع إشارته إلى أن صلاتها في بيتها خير من صلاتها في المسجد .

– تعويد الصبيان على ارتياد المسجد ، لا سيما المميزين منهم ؛ مع تعليمهم آداب المسجد ، وكان الصبيان المميِّز منهم وغير المميِّز في عهد السلف يدخلون المسجد ، وكل ما ورد من أحاديث في منع الصبيان من دخول المسجد فلا تصح ويردُّها فعل النبي – صل الله عليه وسلم – وفعل الصحابة ، ولا ينبغي تنفير الأولاد من بيوت الله بحجة أنهم مصدر إزعاج للمصلين ، أو سبب لذهاب الخشوع في الصلاة ؛ فهذه حجج واهية .

– إنشاء مكتبة للاستعارة والمطالعة بداخل المسجد تحت إشراف طلبة العلم المميزين ، أو بجانبه ، من مستلزمات إقامة الدروس العلمية ، والدورات الشرعية ، التي سبقت الإشارة إليها .

– تعيين أئمة وخطباء من أهل العلم والإصلاح ،حيث يتوقف كل ما ذكر من وسائل لتفعيل دور المسجد على طبيعة القائمين على بيوت الله ، ويأتي في أولهم إمام المسجد وخطيبه ، وكذلك مؤذنه ، والأصل في هذه الوسيلة هو قوله – صل الله عليه وسلم – : ” يؤمُُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ” ، ففيه بيان أهمية هذه الولاية ، وأنه ليس كل أحد أحق بها ، وأكثر كتب الحديث وكتب الفقه تحدثت عن الإمامة والخطابة والأذان في أبواب خاصة .

– تفعيل أمر الأوقاف ، حيث أن من أهم مزايا الوقف في الشريعة الإسلامية أنه مستمر لا ينقطع ودائم لا يتوقف ، وبهذا يتم الحفاظ على حياة الجهات التي أوقف عليها ، وتاريخ الإسلام حافل منذ القدم على الوقف في وجوه البر المختلفة من مساجد ودور علم ومدارس ومستشفيات ورعاية أيتام وغيرها ، حتى أصبح هناك ديوان في عصر الأيوبيين و المماليك خاص لأوقاف المساجد .

– اللقاءات مع أهل الحي ، إذ إن قيام المسجد بأنشطة مختلفة : علمية ودعوية واجتماعية وثقافية وغيرها يتطلب تقييماً لمثل هذه الأنشطة بين فترة وأخرى ؛ لأنها تبقى أولاً وأخيراً أعمالاً بشرية ، يعتريها النقص ويكتنفها الخلل ، ومن أحسن الأساليب لعمل مثل ذلك التقييم ، عقد لقاء دوري يجمع أهل الحي بإمام المسجد أو من ينوب عنه ، لمراجعة أحوال المسجد وشؤونه .

– أصلح الله أحوال البلاد والعباد ، وهدى القلوب ، وأنقذها من الضلال ، إنه سبحانه عزيز حكيم .

* المرجع : مصادر متعددة .

*السفير أشرف عقل مساعد وزير الخارجية سابقا وعضو العديد من مراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية والجمعيات العلمية 

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.