بقلم / سامي الجمل
بطريق الصدفة المحضة وجدت مُحاضرة عِلمية لِعالِم النوم ” ماثيو ووكر ” يتحدث فيها عن النوم وفوائده ويقول ما مُؤداه أن النوم هو النظام الذي يبقيك حياً وهو أفضل الجهود الطبيعة المبذولة حتى الآن للحياة علي نحوٍ حَمِيد حيث يُحسن التعلم والذاكرة والجهاز المناعي ويصلح الشيفرة الوراثية والخلايا ويؤدي الي النجاح في الحياة على كل الأصعدة على نحوٍ جِد كبير وهالنِي أن وَجَدت أن هذا التأثير الذي يُحدِثهُ النوم لا تستطيع أن تفعلهُ أي أدوية لِشِفَاءِ وراحةِ أَحَدٍ من العالمين ، وَوَجدت مرة أخري أن النوم وما يُحدثهُ من تأثير لا يُمكن أن يجئ حقاً إلا بِمُعجزةٍ من لدُن حكيم خبير ، ولو تأملنا في القرآن الكريم لوجدنا قوله تعالي يُثبِت أنها فعلاً مُعجزة لا تأتي إلا مِنهُ سبحانه العليم القدير : ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ﴾ ( يونس 104 )
متي يتوفاهم رب العالمين ؟ تجد الإجابة في موضعٍ آخر بذات كتاب الحق حين يقول ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ ( 42 سورة الزمر) .
بِمَا معناه أن مُصيبة الموت تختلف كلياً عن واقعِةَ الوفاة التي فيها كل الفائدة من رب العالمين لعبادِه المُكرمين ، وليس أدل علي ذلك من قوله تعالي في الآية سالفة الذكر والتفصيل ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا ﴾ أي أن الوفاة تحدُث قبل وقوع الموت – ولا تَحدُث بعده – وكذلك تَحدُث أثناء النوم – وليس بعده – بِما مُؤداه إختلاف الوفاة عن الموت قطعاً وبلا أي تأويل – ومُؤداه كذلك عِظم واقِعَة الوفاة التي ينكشِف فيها الحجاب – ويبدو أنها حقاً لها أثراً كبيراً في إعادة الترتيب والتأهيل للجسم والنفس على السواء وفقاً للثابت فيما سبق وفيما يلى من تدليل ، ومن ثم فإن الوفاة تشمل أولاً اللحظة التي تسبِق الموت – حيث هناك من يموت قبل أن ينام أصلاً بمجرد خروجه الى الدنيا – لذلك كان التقديم في الآية من الله العظيم بِذكر حالة الوفاة على صورتين والنص على أن الأولى حين تموت وثانية في المنام حيث تكون – بما يدل على الإعجاز في إختيار كل موضعٍ في كتاب الله لقوم يتفكرون .
ولزيادة التفسير إن الوفاة تَقَعْ حِينَ نموت – أي قبله مباشرةً – وليس بعده – حيث أنه عند إقرار الموت يُمسِك الله تعالى النفس ولا يعلم مُستقرها إلا هُوُ – فهى من ورائها برزخ لا سبيل لأن نعرف عنهُ شيئاً الى يوم يبعثون اللهم إلا مواضع في القرآن الكريم تُوضِح وتُطالِب القُرَّاء بالتّفكُرِ والتَفْكِير ﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ (50 سورة الأنفال ) ، ﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ ( 27 سورة محمد ) ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ ( جزء من الآية 93 من سورة الأنعام ) ، ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (32 سورة النحل ) .
ومعنى ذلك أنه لحظة الموت إذا كان الإنسان من الظالمين بآيات الله الجاحدين سيعرف مآلهُ أثناء وفاته وقبل مماته مباشرةً إذا كان من الظالمين أم من الطيبين ، وسَيُصاب في ذلك اليوم وهو يوم وفاتِه ببعض من عذاب الهون المذكور بصريح نص الآية سالفة الذكر المُبِينْ التي قَطَعَتْ وتُطالِبَنَا بالتفكير ، ومن الجدير بالملاحظة أن لحظات الوفاة التي تسبِق الموت قد تَطُول وإن قصرُت في أعيُّنِنَا لأننا لا نري كُل المجهُول ، والمُطالع لتقارير الطب الشرعى في القضايا الجنائية يعلم أن تحقق الموت عادةً ما يقع بعد مُدة ولو سقط الإنسان صريعاً جراء إطلاق النار عليه في مقتل ، بل حتى لو كانت إصابة الإنسان في الرأس فإن المثبت وفقاً للعلم العام أن الأعضاء تستمر مدة قبل أن يُقال أنها إنتهت وأصبحت ميتَةً لا فائدة منها وأنها كالرميم لا تصلح للنقل أو التأثير ، وكذلك إنه وفقاً لما قرأتهُ في منشور إن جامعة ستونى بروك بنيويورك قالت أن عند توقف المخ يكون ذلك بنسبة تقارب ٩٥ فى المائة وذلك يشمل كل مراكز رد الفعل و المراكز الحيوية الرئيسية كالتنفس والنبض والحركة وغيرها لكن مراكز السمع والإبصار على وجه الدقة تستمر فى إعطاء إشارات لفترات طويلة بعد الوفاة تجاوزت بضع ساعات كنفس الإشارات التى تعطيها المراكز نفسها للشخص الحى ، ولو فرضنا جدلاً أن الإنسان في لحظة واحدة يموت – فإنه يمكن أن يرى في هذه اللحظة مَوضِعَه – حيث يرفع عنه الغطاء ويرى ما لا نرى بِوفاةٍ لا يمكن أن يشُوبَها تَفرِيط .
أكثر من ذلك تجئ آية فتضئ كالبرق لتُوضح للذين يتفكرُون مدى تأثير الأحلام التي من المرجح أنها تَحدُثُ في حالة الوفاة أثناء النوم حين تقول ﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَٰذَا ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ ( الآية 32 سورة الطور ) ، وبذلك وبذلك فقط يَتضِحُ لنا مدى تأثير النوم والأحلام وجودتها على حياة المرء إن كُنَّا مِن الذى يتفكرُون.
ولعل كل هذا يدعونا الى التفكر مرة أخرى هل يقصد رب العالمين من قوله الكريم ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ﴾ (31 سورة سبأ ) أن هذه الوقفة بعد إسماك النفس والموت مباشرةً وهى وقفةً كبيرةً الى يوم يبعثون ، ولعل على ذلك إشارة أخرى في هذا القرآن العظيم حين يقول جل من قائل ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ( 99 ) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( 100 ) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ( 101 ) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( 102 ) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ 103 ﴾ ( آيات من سورة المؤمنون ) .

محامي ومستشار قانوني