أراء وقراءات

امرأة مصرية مسكينة من الجيزة تشتكي لعمر بن عبدالعزيز

بقلم / الدكتور محمد النجار

 

يسهر الحاكم العادل على حماية وطنه وشعبه من أعداءهم سواء في الخارج أو في الداخل ، وهذا سر توفيق الله له ، بالإضافة الى حب شعبه ودفاعهم عنه ، ومثال ذلك تلك الوافعة الحقيقية التي وقعت في محافظة الجيزة بمصر الحبيبة بعد أن حرر الخليفة عمر بن عبدالعزيز قنوات الإتصال بينه وبين شعبه. فقد حرر قنوات الإتصال بين القمة والقاعدة من الحصار الإعلامي والاحتكار لوسائل الإتصال. فكان البريد على عهد الخليفة السابق عبارة عن جهاز يخدم الكبار في الدولة و ينقل المراسلات من كابر إلى كابر، فقام عمر بتغيير تلك المنظومة الفاسدة التي جعلت البريد وكافة الأجهزة في خدمة السلطة والحاكم ، وأصدر أوامره بأن يكون البريد في خدمة الشعب ، وجعله ينقل إليه مباشرة شكاوى الشعب حتى يقرأها بنفسه ويصدر أوامره برفع الظلم والقهر عن المظلومين والمقهورين .

وقد ورد البريد من مصر الى عمر بن عبدالعزيز يحمل إليه شكوى إمرأة مصرية مسكينة من محافظة الجيزة اسمها ((فرتونة السوداء)) كانت جارية لرجل إسمه ((ذي أصْبَحَ )) .

وتتلخص شكوى تلك المرأة السوداء المسكينة في أن بيتها قصير ، يقتحمه اللصوص ويسرقون دجاجها التي هي كل مالديها من الدنيا.

وما ينتظر الخليفة حتى الصباح ، ولم يهمل شكوى تلك المرأة المسكينة التي تشكو من سرقة بضع دجاجات لاقيمة لها ، بل يرسل اليها الرد فورا برسالته التالية :

(( بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلى فرتونة السوداء مولاة ذي أصْبَحَ. بلغني كتابك وما ذكرتِ من قِصَرِ حائطك وأنه يُدخل عليك فيه ، فيُسرق دجاجك، وقد كتبت لكِ كتاباً إلى أيوب بن شُرَحْبيل آمُره – وكان أيوب عامله على مصر- أن يبني لك ذلك حتى يُحصّنه لك مما تخافين إن شآء الله. والسلام».

وفي نفس الوقت وحسب مارواه الإمام الحاكم ، يرسل رسالته التالية الى عامله في مصر ((أيوب بن شُرَحْبيل)):

(((من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أيوب بن شرحبيل ، سلام الله عليك. أما بعد : فإن فرتونة السوداء ، كتبت إلىَّ تشكو إلىَّ قِصر حائطها وأن دجاجها يُسرق منها ، وتسأل تحصينه لها ، فإذا جاءك كتابى هذا ، فاركب إليها بنفسك وحصّنه لها ))).

 

ماذا فعل حاكم مصر أيوب بن شُرَحْبيل بأمر عمر بن عبدالعزيز؟

 

عندما وصل أمر الخليفة عمر بن عبدالعزيز إلى أيوب بن شرحبيل ، ركب بنفسه وأخذ طريقه الى الجيزة حتى وصل إليها ، وظل يسأل عن فرتونة حتى وجدها ، فإذا هى إمرأة سوداء مسكينة ، فأعلمها بما كتب به أمير المؤمنين فأعلى لها حائطها وحصنه لها ، حتى يطمأن قلبها ، ولا يستطيع اللصوص تهديد أمنها أو سرقة دجاجها) “.

إنه الحاكم المسلم الذي خاف الله ، وأخلص في رعايته لجميع أفراد مجتمعه ، فلم يهمل الضعيف أو ينسى الفقير ، بل اهتم بجميع طبقات الشعب ، وحقق الرخاء وفاضت الخيرات على كل طبقات المجتمع ، وأنصف المظلومين ، وأخذ الحق من الظالمين ، وأعاد الأموال المنهوبة الى خزينة الدولة ، وساد الأمن والأمان فرفع الله ذكره ، وأعلى شأنه في قلوب أمته وشعبه .. وظل في ذاكرة تاريخ الأمة حاكما مسلما نظيف اليد ، سليم الصدر حتى صعدت روحه الطاهرة الى بارئها 

وقد يظن القارئ أن عمر بن عبدالعزيز ظل في السلطة عشرات السنين ، والحقيقة أن حكم عمر بن عبدالعزيز كان لمدة سنتين وخمسة أشهر فقط!! 

امرأة مصرية مسكينة من الجيزة تشتكي لعمر بن عبدالعزيز 2

د.محمد النجار 29يناير2021م فجر الجمعة 17جمادى الآخرة1442هجري

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.