أراء وقراءات

تأملات رمضانية (3): الإنسان والنور

بقلم: د. أمين رمضان

“هذه مجرد تأملات شخصية، ليس الهدف فرضها على أحد، أو إثبات أنها الحق، لكنها دعوة للآخرين لتحفيز آلة التأمل الشخصي عندهم، بعيون عالمهم هم لا عالم غيرهم”

يمر الإنسان خلال رحلة حياته عبر محطات زمانية ومكانية، وحالات نفسية روحية.

يدرك الإنسان عالم المكان بالصور أو بالرؤية، ويدرك عالم الزمان بالأصوات أو المعاني.

والحقيقة أن حالة الوجود الإنساني لا تقاس بالعمر الزمني، بل تقاس بالنمو والنضوج الذي يحدث للإنسان عند محطاته الزمانية والمكانية، والحالات التي تشكل وعيه باستمرار.

اللحظة الزمانية والمكانية التي نزل فيها الوحي .. كانت لحظة النور الأخيرة حيث اكتمل النور، وحفظه الله، ليكون هادياً لمن يسترشد به، حتى قيام الساعة.

﴿۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ … الآية﴾ [النور ٣٥]

﴿إِنَّاۤ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِیهَا هُدࣰى وَنُورࣱۚ … الآية﴾ [المائدة ٤٤]

﴿وَقَفَّیۡنَا عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِم بِعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِۖ وَءَاتَیۡنَـٰهُ ٱلۡإِنجِیلَ فِیهِ هُدࣰى وَنُورࣱ وَمُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَهُدࣰى وَمَوۡعِظَةࣰ لِّلۡمُتَّقِینَ﴾ [المائدة ٤٦]

﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَاۤءَكُم بُرۡهَـٰنࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكُمۡ نُورࣰا مُّبِینࣰا﴾ [النساء ١٧٤]

﴿فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِیۤ أَنزَلۡنَاۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ﴾ [التغابن ٨]

فالله نور، أرسل الرسل جميعاً بالنور، ليخرج الناس إن أرادوا من الظلمات إلى النور

كانت رحلة البشرية، بين مد وجزر،  بين الحياة في نور الوحي، أو الموت في ظلمات الحياة.

عانت الحياة من فترات الظلام، التي انطفأ فيه النور في قلب الإنسان فتحول إلى وحش كاسر، وكلما تطورت أنيابه، ازدادت شراسته وتدميره وقتله، لنفسه أولاً ، وما هتلر وغيرة من الظالمين ببعيد، مات وماتت معه الملايين، وما زالت الأحقاد تحصد وتحرق الحياة، كما تحترق أوكرانيا الآن، بأحقاد تعيش في النفوس بسبب الحروب العالمية.

عانت الأرض وما زالت، من استنزاف ثرواتها، ونهبها من أصحابها الأصليين، وتحويلهم إلى عبيد ليستمر الاستنزاف والسرقة والاحتلال.

وتلوثت السماء والهواء والبحار والمحيطات والنبات والحيوان، بأيدي ملوثة بالجرائم، ونفوس لا تعرف إلا القوة لتفرض إرادتها، وألسنة تكذب وتجمل الجرائم على مستوى العالم كله.

ولم يعد ميثاق الأمم المتحدة “ميثاقاً”، ولم تعد الأمم “متحدة”، وهذا هو المصير الحتمي عندما يضع الناس قوانين لتحكم الناس، لأنها تخضع للهوى والمصلحة، الهوى البشري، ومصالح الدنيا، فتتحول الحياة إلى غابة، يفترس القوي فيها الضعيف، لذلك قال أحد رؤساء أمريكا “القوة هي القانون”.

عندما نزل الوحي حاملاً الهداية للناس جميعاً، والنور الذي يضيء مسيرة الحياة، كانت هذه اللحظة الزمانية نقطة التحول، ومحطة التزود بما يؤهل الإنسان لرحلة تعمير الأرض بجناحيها، المادي والأخلاقي، إن أراد ذلك.

﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ فِیهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدࣰى لِّلنَّاسِ … الخ… الآية﴾ [البقرة ١٨٥]

وترك للناس حرية الإيمان، وحرية الاختيار.

وترك الناس لترى الواقع، وتقرأ رسالته، تماماً كما يعرف الإنسان حالته الصحية من مؤشرات مختلفة مثل الألم والحرارة وغيرها، كذلك، من سنن الله الكونية أن جعل لأمراض القيم والأخلاق أعراض ومعاناة، ليعرف الناس ما صنعوه بأيديهم، وحملهم مسؤوليته، وهذا يعني أنهم يستطيعوا علاجه، والعودة إلى الحياة الإنسانية الكريمه.

﴿ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِی ٱلنَّاسِ لِیُذِیقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِی عَمِلُوا۟ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ﴾ [الروم ٤١]

وهذا بالضبط ما قاله العالم الأمريكي كلير جريفز، بعد عقدين من أبحاثه ودراساته للطبيعة البشرية، وحالات تطورها المستمر عبر رحلتها التي لا تنتهي.

وجد جريفز أن الدورة الأولى مكونة من 6 مراحل أو حالات أو مستويات مختلفة للوجود، ثم بدأ الإنسان في الدورة الثانية يكتشف الأخطاء التي ارتكبها ودمر بها الحياة على الأرض، وهنا أدرك الإنسان أنه هو الخطر على الحياة إن استمر في أخطاءه، وبدأ النداء العالمي بالحفاظ على الحياة، والخضوع للقوانين الكونية، لكنه مازال ضعيفا، غير مسموع، لأن الأقوياء مستمرين في غيهم.

سيظل الإنسان متأرجحاً بين مصالحه الشخصية، ومصالح المجتمع بل والعالم الذي نعيش فيه، وهذه سنة الله في الحياة.

لذلك نزل الوحي حاملاً الهدى والنور للناس جميعاً .. مع الأنبياء والرسل جميعاً، وكان الختام بالقرآن الكريم في شهر رمضان.

وللتأملات بقية بإذن الله…

الجمعة 24 مارس 2023م – 2 رمضان 1444هـ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.