أراء وقراءات

لهم الدنيا ولنا الآخرة.. تأملات بقلم :د. أمين رمضان

“لهم الدنيا ولنا الآخرة” كان هذا رد أحد طلابي ونحن نناقش أهداف الإنسان في الحياة وضرورة أن يكون للإنسان أهداف كبرى في الحياة تخدم وطنه وأمته والعالم، ويقصد بذلك أن المسلمين لهم الآخرة، وغيرهم لهم الدنيا.

قلت له: من قال ذلك؟ … جناح الإسلام الأول، الإيمان بالله واليوم الآخر، والثاني هو العمل الصالح في الأرض، فلا معنى لإسلام كسالى نزلوا من قطار الحياة وتركوه يمضي بغيرهم، وبدلاً من وعي يعيدهم للحياة، يخدرون أنفسهم بمثل هذه السموم للهروب من المسؤولية التي يلقيها عليهم الإسلام نفسه، فالعمل الصالح هو الذي يعمر الأرض بكل صور الإعمار المادية والمعنوية.

ثم سألته: هب أنني وافقتك … فما الذي نفعله فعلاً من أجل الآخرة؟، لم يجد إجابة، لأن من يهرب من إعمار الدنيا، يكون قد هرب قبلها من إعمار الآخرة، ولذلك قالوا إن “الدنيا مزرعة الآخرة”، وهذا طبيعي مع إيمان يدفع للعمل، وحساب في الآخرة عن عمل وليس عن أماني.

ثم سألته: هل عند المسلمين صك من الله بأنهم ضمنوا الجنة؟، لأنهم لو اعتقدوا ذلك فلن يختلفوا عن اليهود الذين قالوا: “نحن أبناء الله وأحباؤه”، والحقيقة أنه لا واسطة عند الله لأحد، الجزاء في الآخرة مبني على العمل، حتى فضل الله يكون نتيجة لعمل، أما الكسالى الذين عطلوا نعم الله الكبرى التي وهبها الإنسان، وتركوا الدنيا ليتفوق فيها غيرهم بمن فيهم من وحوش بشرية تلتهما وتلتهم معها كل القيم الإنسانية، وتسفك الدماء بلا رحمة، وربما دماء من خدعوا أنفسهم بأن لهم الآخرة، ففقدوا الدنيا والآخرة معاً.

بالتأكيد هناك الكثير من الأفكار المضادة لهذه السلبية في الحياة، لكن ما الذي جعل الأفكار السامة تطفوا على سطح الحياة، فتوقفت مياهها عن الحركة، وتكاثرت على سطحها الطحالب والفطريات، وأصاب العجز مفاصل الحياة، وأوشك القلب أن يتوقف عن النبض.

الأفكار التي يحملها الفرد داخل عقله هي التي تشكل حياته، ومن مجموع أفكار الأفراد في المجتمع، تتشكل ثقافته، ومنها تكون الثمار التي تملأ حياة الناس، فإما أن تكون هذه الثمار حلوة أو مُرَّة، طبقاً للأفكار التي كونت تربتها، وروتها بمياهها.

واجبنا جميعاً أن ننفض عن كاهلنا الأفكار السلبية التي ورثناها وكبلتنا، ودخلت عقولنا دون أن نفكر فيها، وعطلت حياتنا في كل جوانبها، كما نرى جميعاً أينما نظرنا، لتنطلق مجتمعاتنا وتصنع مستقبلها، فتمتلك الدنيا بين يديها، والآخرة بسعيها لها.

الدكتور أمين رمضان
aminghaleb@gmail.com

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.