أراء وقراءات

مفهوم الكون الكبير (2) ..الكون المدرك

بقلم: د.سعد كامل

يعتبر مفهوم الكون من أقدم المفاهيم التي اهتم بها الإنسان منذ عهد أبو البشر آدم عليه السلام، فقد بدأ الإنسان الأول في محاولات فهم مكونات الكون من حوله بما فيها الأرض التي يعيش عليها وما يراه في السماء من فوقه، وفي عصرنا الحاضر تتعدد منطلقات تعامل البشر مع مفهوم الكون وفقا للخلفيات الفكرية والدينية للباحثين، ولعل أبرز تلك المنطلقات هو المنطلق المادي في التعامل مع الكون وذلك نظرا لهيمنة الفكر المادي على فروع العلوم المعاصرة، أما من حيث المنطلقات الدينية في التعامل مع الكون فهناك تفاوتا كبيرا بين من يرفض المفهوم العلمي المادي بشكل كامل، وبين من يقبل بذلك المفهوم بشكل كامل باعتبار التوافق التام بين المفهوم المادي للكون والمفهوم الديني له، بينما يرى كاتب هذه السطور مع عدد من المهتمين بمفهوم الكون أهمية التكامل بين الجانبين المادي والديني، فذلك التكامل يجعل كلا الطرفين يقبل بما ثبت صحته عند الآخر وسيؤدي إلى بروز مفهوما متكاملا للكون، وعليه يرى كاتبنا أن مفهوم الكون يعتبر من أبرز مفاهيم التراث البشري التي تتطلب الاهتمام من الهيئات الدولية مثل اليونسكو وفروعها من الهيئات التربوية الدولية، وغيرها من الهيئات المهتمة بقضايا الفكر والتراث.

مفهوم الكون في العلوم المادية الطبيعية (الكون المدرك):

انطلقت الحضارة المعاصرة على أسس مادية بعد بروز مبدأ الحتمية العلمية الذي أعلنه لابلاس منذ نحو قرنين من الزمان، وذلك في ظل الصراع بين سلطة الكنيسة في أوروبا وبين العلم المادي … وقد أدى ذلك الصراع ظاهريا أو جزئيا إلى خصام شديد بين العلم وبين الدين، فانطلق العلماء الماديين في طريق وضع النظريات والقوانين في كل شيء ولكل شيء… وانطلق هؤلاء العلماء في طريقهم لبناء مفهوم الكون على الأسس المادية التي لا تقبل بأي جزئية علمية دون توفر الدليل المادي لإثباتها، فالأرض تدور حول نفسها فيتعاقب الليل والنهار عليها، وتدور حول الشمس فتتعاقب الفصول المناخية على الأرض، والدوران يتصاعد حيث تدور كواكب المجموعة الشمسية حول الشمس ، والشمس بدورها تدور حول مركز المجرة التي تضم نحو 300 مليار نجما ، كما أن المجرة تسبح في فلك واحد مع المجرات المحلية حول مركز المجموعة، ومن ثم تسبح المجموعة المحلية مع مجموعات محلية أخرى حول مركز أكبر يسمى بالعنقود المحلي، ناهيك عن العناقيد المجرية العملاقة (مثل عنقود لانياكيا).

مفهوم الكون الكبير (2) ..الكون المدرك 6
صورة  مجرة التبانة أو درب اللبانة نقلا عن ناسا.

مفهوم الكون الكبير (2) ..الكون المدرك 7مفهوم الكون الكبير (2) ..الكون المدرك 8

ومع توالي ظهور النظريات المادية حول القوى المسيطرة على الكون برزت قوة الجاذبية كقوة للترابط بين مكونات الكون المدرك التي تصل إلى 200 ألف مليون مجرة، وقد وضع علماء الفلك والكونيات حدودا للكون تعرف باسم “الكون المدرك” باعتباره ذلك الجزء من الكون الذي يمكن مشاهدته في التليسكوبات وأدوات الرصد على الكرة الأرضية، ويزيد نصف قطر ذلك الكون المدرك عن 13 ألف مليون سنة ضوئية (صورة 4). كما تناولت نظريات العلوم المادية نشأة الكون بالعديد من النظريات أبرزها نظرية الانفجار العظيم. وجدير بالذكر هنا أن مكونات الكون المدرك من مجرات وعناقيد مجرية تفصل بينها مسافات كونية هائلة يذكر عمري (2004 أ) أنها موجودة منذ بدء الخلق وليست ناتجة عن تباعد المجرات (بالانفجار) مما يدل على أن تناسق الكون لا بد له من تصميم وبناء عظيم، وتتراوح تقديرات علماء الكونيات لنصف قطر الكون المدرك بين 13.6 مليار سنة ضوئية و 46.5 مليار سنة ضوئية باختلاف الأسس التي يتم عليها تقدير تلك المسافة أو ما هو أكبر منها في بعض التقديرات (الكون المدرك، ويكيبيديا)، وفي كل الأحوال فلا شك أن هذا الكون المدرك له نصف قطر وحجم هائل حسب كل التقديرات.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ما يعرف بالكون المدرك لا يكاد يمثل نصف السماء الأولى من السماوات السبع المعروفة من الوحي، وقد أشار بعض العلماء إلى عدم التعامل مع مفهوم السماوات السبع ضمن إطار العلوم المادية، فمن علماء الفيزياء النووية من قال: “بل عِلْمَيَّ الكون والفلك لم يتوصلا بعد لمعرفة شيء يذكر عن بناء السماوات السبع أو بناء الأرضين السبع” (عمري، 2004 ب)، هنا نرى أهمية التكامل بين الجانبين –كما ذكرنا أعلاه- فأجهزة الرصد الفلكي لا تتعامل إلا مع الكون المدرك المحدود، بينما النصوص الشرعية تتجاوز ذلك إلى بقية السماوات السبع والكرسي والعرش وما بينهما مما يعلمه الله من مخلوقات.

وقد توافق عدد من العلماء المسلمين أن الكون المدرك يساوي جزء من السماء الأولى (معلمي، 2011)، ويتفق كاتب هذه السطور مع ذلك معتبرا أن ذلك الجزء يصل إلى نصف السماء الأولى كما سيتم مناقشته في المقالات التالية، وقد ذكر عمري (2004 ب) أن أبعد مسافة تم تسجيلها بواسطة أجهزة الرصد على الأرض وهي المسافة التي يفترض علماء الفلك أنها تمثل الخلفية الراديوية للكون ((وتصل إلى حوالي 10-13 مليار سنة ضوئية))، ذكر عمري أن تلك المسافة وهذه الموجات الراديوية قد تمثل بداية البناء السماوي الكبير، ويرى كاتب هذه السطور أن ذلك يتفق مع نصف السماء الأولى، ويؤكد ذلك ما يقوله علماء الكونيات أن الكون المدرك يتضمن 5% مادة الأجرام السماوية ونسبة 95% منه فراغ يشمل المادة والطاقة المظلمة، فالكون المدرك يمثل فراغ كوني يضم 200 ألف مليون مجرة ويأتي فوقه البناء السماوي الكبير كجسم صلب ذو أبواب كما سيأتي تفصيله لاحقا.

 

المراجع:

  • عمري، حسين (2004 أ): خلق الكون بين الآيات القرآنيّة والحقائق العلميّة، مؤتة للبحوث والدّراسات (سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة)، المجلد 19، العدد 4، ص 11–41.
  • عمري، حسين (2004 ب): الأرضون السّبع وتوزيع الصفائح المجرِّيّة الضخمة على نطاق كوني واسع، مجلة كلية المعارف الجامعة – الأنبار- العراق عدد 6، السنة الخامسة.
  • معلمي، خليل  (2011) وهم نظرية الانفجار العظيم ووجود الأراضي السبع:

http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=9056

مفهوم الكون الكبير (2) ..الكون المدرك 9
بقلم: د.سعد كامل
أستاذ مشارك في الجيولوجيا
الإسكندرية – مصر
saadkma2005@yahoo.com

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.