أراء وقراءات

مفهوم الكون الكبير(3) .. قصتي مع بحث مفهوم الكون

بقلم: د.سعد كامل

وقف المؤلف كثيرا أمام قول الشاعر عن رحلة المعراج الكونية للرسول صلى الله عليه وسلم:

  • ”رأى جنة المأوى وما فوقها…. ولئن رأى غيره ما رآه لتاها“.

كما توقف كاتبنا أمام ما جاء عند ابن كثير مما رواه النسائي، عن ابن عباس قال:

  • أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى والرؤية لمحمد؟

وعليه يرى كاتبنا أن الذي يتفكر في الثروات المكنونة ضمن التراث الإسلامي حول وصف الكون, يمكن أن يجد الكثير من الدرر التي تساعده في بناء مفهوما متكاملا للكون يوضح للبشرية جمعاء عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وكذلك ضئالة الكون المدرك على ضخامته. وقد دخل كاتبنا منذ عدة سنوات في حالة من التفكر حول حقيقة الجاذبية وما يرتبط بها من نظريات حول نشأة الكون، وكانت حالة التفكر تلك عبارة عن مزيج من التأمل والتفكير جنبا إلى جنب مع البحث في المراجع وكتب العلم.

الاهتمام بتوضيح مفهوم الكون:

في محاضرة عامة عن أهمية المبادرة الذاتية سألنا المحاضر وهو يشير إلى صورة شخص يحمل الكرة الأرضية على كتفيه: من هذا؟

قلت: أنا!

قال: كيف ذلك؟

قلت: أنا أحمل هم أكبر من حمل الكرة الأرضية، بل أحمل هم توضيح بنية السماوات السبع بل هم مفهوم الكون الكبير.

قال: أعانكم الله ووفقكم لما يحبه ويرضاه.

منذ ذلك الحين (منذ 20 سنة) وأنا أضع فكرة مفهوم الكون ضمن أهدافي التي ظلت تنمو شيئا فشيئا حتى شغلت كل تفكيري، والآن أصبحت مهمة حياتي وقد تجاوزت الخامسة والستين من العمر، وبالله التوفيق.

 قصتي مع بحث مفهوم الكون (حالة من التفكر):

بدأ الباحث الحالي في الاهتمام بنشأة الكون أثناء عمله كأستاذ للجيولوجيا التاريخية … وكان يقوم بتدريس نظريات نشأة الكون المادية وفي حلقه غصة من بعض المفاهيم الواردة في تلك النظريات، ومع العام 2016 أثناء خطبة الجمعة في مسجد الحي تكلم الخطيب عن أعمال الملائكة، فاسترجع الباحث فكرة كانت تراوده منذ أيام دراسة الماجستير (في السعودية من 1981 إلى 1985) عن وجود ارتباط ما بين كثرة عدد الملائكة في السماء وبين قوة الجاذبية وتدوير الأجرام السماوية في أفلاكها… هنا طلب الباحث من إمام المسجد بحثا عن أعمال الملائكة، وقد تكرم الشيخ بإعطاء الباحث بحثا يضم أفكارا رائعة مما جعل الباحث يراجع بعض ما كُتِبَ في العلوم الطبيعية عن حقيقة قوة الجاذبية بدءا من كيبلر ونيوتن ومرورا بأينشتين وستيفن هوكن (الذي يعتبر أبرز من ناقش نظريات الأوتار الفائقة).

وعليه عكف الباحث على دراسة النسخة العربية من كتاب هوكن موجز تاريخ الزمن (Hawking, 1988) وقد نتج عن هذه الدراسة استفسارات كثيرة وملاحظات قام قليل من العلماء بمناقشتها نقدا، والكثير يعتبرونها حقائق نهائية باعتبار أنها تمثل أحدث معطيات العلم…. مما جعل الباحث يكتب بحثه المبدئي حول نقد نظرية الأوتار الفائقة (كامل، 2017 أ) الذي أتبعه ببحث مبدئي آخر عن فكرة نظرية البناء العظيم (كامل، 2017 ب)، والمقصود بكلمة مبدئي هنا هو اعتراف الباحث بان قضية حقيقة الجاذبية -التي يربط العلماء المذكورين أعلاه بينها وبين نشأة الكون- تعتبر من القضايا الضخمة التي تتطلب تكوين لجنة متعددة التخصصات العلمية والدينية للبحث فيها انطلاقا من حقيقة مفهوم الكون شرعا وعلما… فأبحاث الباحث الحالي في هذا المضمار تعتبر مبدئية بهدف لفت انتباه المتخصصين لهذه القضية الكبرى حتى يبحثوا فيها ويتعاون الجميع للوصول إلى الحق والحقيقة في هذا المجال المهم من مجالات العلوم البشرية.

بعد نشر البحثين المشار إليهما على منتدى أهل التفسير على الإنترنت وتوالي النقد للفكرة (كما كان متوقعا)، توافق عقد مؤتمر عن الإعجاز العلمي بالزقازيق – مصر، وقد حضر الباحث ذلك المؤتمر حيث استمع إلى مناقشة بحث الدكتور عبدالرحمن السمان –أستاذ الرياضيات المشارك بكلية العلوم جامعة الأزهر بالقاهرة-، حول رؤية علمية إيمانية عن مفهوم السماوات السبع والأرضين السبع (السمان، 2017)، وقد قدم السمان نموذجا مقترحا يعرض بنية السماوات السبع والأرضين السبع بصورة بسيطة بناء على الأدلة الشرعية (شكل 1).

مفهوم الكون الكبير(3) .. قصتي مع بحث مفهوم الكون 6

 

شكل (1): بنية السماوات السبع والأرضين السبع (السمان، 2017).

وتوافق أيضا أن عثر الباحث في الإنترنت على كتاب حقيقة السماوات السبع والأراضين السبع لمؤلفه مصطفى حناوي (حناوي، 1958؟) وهو كتاب تجميعي يضم تفاسير معظم الآيات التي تتناول موضوع السماوات والأرض، بالإضافة إلى بعض الأحاديث النبوية، كما أنه يعرض معطيات العلم الحديث، كما أن مجموعة النصوص التي ينقلها من التفاسير تعتبر ثروة بكل ما في الكلمة من معنى، صحيح أنه لم يذكر مصادره لا في الهوامش ولا في نهاية الكتاب حيث لم يقدم قائمة للمراجع. إلا أن هذا المؤلَّف الضخم -الذي يشبه تجميعات الجرائد السيارة للموضوعات الصحفية- ذو قيمة كبيرة.

وقد جَعَلَتْ تلك القيمة الباحث أكثر إصرارا على دراسته بتدقيق واهتمام شديدين بحثا بين سطور كلمات السلف الصالح عن حقيقة السماوات والأرضين على ما يفيد ويشفي الغليل. وقد تم جمع لقطات شاشة كمقتطفات في ملف وورد, وقد بلغ عدد صفحات ذلك الملف أكثر من مائة صفحة، ثم تمت مراجعتها مع كتابة ملاحظات في الهوامش عن المضمون والأهمية…. وقد استغرقت هذه العملية أكثر من ستة أشهر. ثم بدأت المرحلة الأخيرة (قبل الكتابة) بالبحث في الإنترنت (بحث جوجل) عن مصادر التفاسير التي زاد عددها عن ستين مرجعا من أمهات الكتب. وبعد ثلاثة أشهر أخرى من البحث المضني تجمعت أفكارا ونصوصا تدعم نموذج السمان (2017) بالإضافة لمفاهيم جديدة مستنتجة من فهم آراء القدماء مع وضعها جنبا إلى جنب بجوار معطيات العلم الحديث…. وقد نتجت الفوائد التالية:

1) أن علماء السلف يقدمون مفهوما للكون أكثر قربا من الوحي السماوي، يعتبر نقيا من تشويشات العلم المادي الحديث ذو النزعة الإلحادية، مع عدم الاستغناء عن أبرز معطيات العلم الحديث خصوصا الحقائق المدعومة بالدليل المادي.

2) استنتاج مفهوم الأرض الأولية (مرحلة الرتق) ثم رفع سمك السماوات (مرحلة الفتق) الذي سوف يناقش تفصيلا في المقالات التالية.

3) الوصول إلى نصوص تشير إلى دور الملائكة في تحريك الأفلاك بالاستفادة من مقتطفات كتاب الحناوي ومن البحث على جوجل أيضا.

4)  العثور على نص من كتب التفسير يتفق حرفيا مع نموذج السمان لبنية السماوات السبع والأرضين السبع، وللعثور على هذا النص قصة ذات دلالة: حيث أنه مع كل نص من نصوص التفسير المنقولة من كتاب الحناوي تم اختيار جملة مميزة لوضعها في شباك البحث، فإذا جاءت نتيجة البحث إيجابية ندخل إلى الروابط الواردة (أكثر من رابط) حتى نجد نفس النص ونتأكد من عدة روابط أن هذا النص من ذلك التفسير. وفي حالة النص المتوافق مع نموذج السمان كان الباحث يتسائل قبل العثور عليه بيومين ويدعو الله تبارك وتعالى أن يعطيه إشارة إلى أنه يسير في الطريق الصحيح، وكان هذا النص من تفسير الألوسي للآية 12 من سورة الطلاق (شكل 2)، حيث لم ينقل الحناوي سوى فقرتين من كلام الألوسي، لكن الباحث استكمل المطالعة على جوجل لما بعد الفقرات التي نقلها الحناوي فوجد ذلك النص الذي يقول عنه الألوسي أنه يوافق رأي الجمهور (شكل 2). فكانت هذه بشارة أن الباحث يسير على الطريق الصحيح  (والله أعلم).

5) ومن ثم قام الباحث بكتابة بحثه الثالث بعنوان: “مفهوم الكون بين العقل والنقل” الذي تم نشره الكترونيا من خلال دار نور للنشر (كامل، 2019).

مفهوم الكون الكبير(3) .. قصتي مع بحث مفهوم الكون 7

شكل (2): وصف نموذج الألوسي لبنية السماوات والأرضين المتوافق مع نموذج السمان (2017).

ومع بدايات العام 2020م استكمل كاتبنا البحث القرآني بصورة مكثفة حول المفاهيم المرتبطة بالسماوات السبع والأرضين السبع، وذلك بمراجعة آيات القرآن الكريم في نسخة المصحف التي تستخدم طريقة الترميز اللوني لتقسيم موضوعات السور القرآنية. وقد تم تجميع آيات من حوالي 700 موضع من الكتاب الكريم (أكثر من 1400 آية). وكانت الخطوة التالية هي البحث حول تفسير هذه الآيات في كتب التفسير، وقد بدأ بالوجيز في التفسير للإمام الواحدي وهو من التفاسير الموجزة المشهورة من القرن الخامس الهجري، ولم يقدم الوجيز تفسير ما يزيد عن نصف الآيات التي تذكر السماوات والأرض مما يدل على أن الإمام الواحدي يعتبرها من الآيات واضحة المعنى التي لا تتطلب تفسيرا (كما سيأتي تفصيله في المقالات التالية). وتمت أيضا مراجعة كتاب البرهان في توجيه متشابه القرآن للكرماني لاستخلاص بعض المعاني المتميزة في الاختلافات اللغوية بين نصوص الآيات ومناسبتها للسياق القرآني.

ثم انتقل البحث إلى عمدة كتب التفسير بالمأثور (تفسير ابن كثير) حيث تم استعراض المفاهيم التي ذكرها مختصر تفسير ابن كثير للشيخ الصابوني حول الآيات المذكورة أعلاه، وقد نتج عن ذلك الكثير من الدرر الثمينة حول حقيقة السماوات والأرضين، وحول مفهوم الكون في هذه الدنيا وفي الآخرة، وقد تم رصد العديد من الأحاديث النبوية الشريفة والروايات المأثورة عن السلف الصالح رضوان الله عليهم، ويمكن القول أن نتائج ذلك البحث في تفسير الإمام ابن كثير قد ركزت الآيات موضع البحث التفصيلي (فيما يخص مفهوم الكون والمعاني المرتبطة به)، حيث وجد أن هذه النتائج تنحصر ضمن تفسير حوالي 140 موضع من مواضع القرآن الكريم، وقد وجد أكثر من 70 موضعا من تلك المواضع تتضمن أحاديث وروايات مأثورة توضح الكثير من المعاني والمفاهيم من نبعها الصافي لصيق الصلة بصاحب الرؤية صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه الشاعر:

رأى جنة المأوى وما فوقها…. ولئن رأى غيره ما رآه لتاها

هذا ولا زالت حالة البحث والتفكر قائمة، فالبحث لم ينته، بل هذه المقالات سوف تعرض نتائج مبدئية للبحث حول مفهوم الكون الكبير، ذلك المفهوم الذي يتطلب تشكيل لجان علمية مادية وشرعية لخدمة هذا البحث الكبير…. وبالله التوفيق.

المراجع:

1)            السمان، عبد الرحمن (2017) رؤية علمية إيمانية عن مفهوم السماوات السبع والأرضين السبع، المؤتمر العلمي الدولي الخامس بكلية اللغة العربية – جامعة الأزهر بالزقازيق، (آفاق الإعجاز في القرآن الكريم).

2)            حناوي، مصطفى (1958؟) حقيقة السماوات السبع والأراضين السبع وما بينهما، (الكتاب كان منشورا على صفحة مغلقة حاليا على الفيس بوك، وتوجد نسخة PDF منه لدى الكاتب)، 518 ص.

3)            كامل، سعد (2017 أ): في مواجهة العولمة الإلحادية: (1) نقد نظرية الأوتار الفائقة نموذجا، منتدى أهل التفسير.

4)            كامل، سعد (2017ب): في مواجهة العولمة الإلحادية: (2) نظرية البناء العظيم حول نشأة الكون، منتدى أهل التفسير.

5)            كامل، سعد (2019): مفهوم الكون بين العقل والنقل، دار نور للنشر الإلكتروني.

6)            Hawking, S. (1988): A brief history of time. Bantam Books, 256p.

مفهوم الكون الكبير(3) .. قصتي مع بحث مفهوم الكون 8
د.سعد كامل
أستاذ مشارك في الجيولوجيا
الإسكندرية – مصر
saadkma2005@yahoo.com

 

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. جهد عظيم نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجازيك خيرا ولكن الأمر يحتاج إلى مجامع علمية وفاهمة حتى يخرج البحث بصورة متكاملة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.