أراء وقراءات

” همُومُ معلِّم ” … ( ١ ) بقلم : علاء الصفطاوي

المعُلِّم .. بينَ عظمةِ الرّسالةِ ومرارةِ الواقع !!!

إنّها مهنةُ الأنبياء، ورسالةُ العظماء، ويكفي المعلمين فخراً حديثُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : إنّما بُعثتُ معلّماً . وهذا توصيفٌ دقيقٌ لرسالة المعلم حيث إنه يُرشِد المتعلمين إلى ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وكما الأنبياءُ من قبلُ قوبِلوا من قومِهم بالتعنِيف .. كما فعلت معَ النّبي ثقِيف، فإنّ المعلمين يُعاملون في مجتمعاتهم معاملةً سيئةً لا تليق أبداً بقدرهم، ولا بسمو رسالتِهم، وهذا مشهودٌ ومعلوم، والهدف منه مقصود، فإن المعلم هو صانعُ الأجيال، فإن حسُنت صنعتُه خرَّج للأمةِ أجيالاً تُوقظُها من من غفوتها .. وتُنبِّهُهامن غفلتها .. وتنهضُ بها من رقدتها، وهذا يقضُّ مضاجع الطغاة، فهم يريدون قطيعاً من الأغنام .. يسوقُونه كما يريدون .. ويفعلون به ما يشَاءون، لذلك أهانوا المعلم واحتقَروه .. وفي وسائل إعلامِهم حطُّوا من قدره وشوَّهوه، ولو أرادوا بالأمة خيراً..  لرفعوه فوق الرؤوس وأكرَموه !!!

وعندما تنظُرُ حولك تجدُ أثر ذلك واضحاً جلياً في أجيالٍ تاهَت في ظلماتِ الجهل، وضاعت في دروب الحياة، لا تعرف غدها من يومِها .. ولا يومها من أمْسها، فأكثرهم كالأنعامِ بل هم أضلٍّ سبيلاً .. وما حدث ذلك إلا بعد أن أُهين المعلم، وأصبح مثارَ سخرية على شاشات الخزي والعار .. والكذب والشَّنار، ويوم أن أحوَجوه إلى أن يريقَ ماءَ وجهه على عتباتِ البيوت من أجل أن يعيش كما يعيشُ الناس، ثم بعدَ ذلك يلومُوه .. وبألسنتهم الخبيثةِ يهاجِموه، وبقلوبِهم الحاقدة لا يرحموه، وهو في الحقيقة كان ينبغي أن يكونَ سيداً في قومه، يرفعونه إلى أعلى الدرجات .. ويعطونه أعلى المرتَّبات، ويسجّلُ اسمه في سجلِّ الخالدين .. وتُحفرُ أعماله في قلوب الأجيالِ جيلاً بعدَ جيل .

ومما يُؤسفُ له أننا نرى مَن كانَ بالأمس معلماً .. وساقته الأقدارُ إلى موقع الإدارة فإذا به يقلبُ لمن كان منهم بالأمسِ ظهرَ المجن .. ويتحدثُ عنهم وكأنه من طينةٍ غيرِ طينتِهم، وينَالُ عنهم بلسان الساخرين .. ولا يعبأ أن يكونَ بهم من المستهزئين، وبدل أن يُساهمَ في رقع قدرِهم .. يعملُ جاهداً للحط من شأنهم، فيقع فعله وما تخط يمينه أو شماله تحت قول الشاعر :

وظلمُ ذوي القربي أشدُّ مرارةً … على النفس من وقع الحسام المهند

وبذلك تُصبحُ حصونُ المعلمين مهددةً من داخلها .. كما هي مهددةٌ من خارجها، فيقعُ المعلمُ بين المطرقة والسندان، مِطرقة الطغاة وسندانِ القائمين على شؤونه، فيضيع حقه .. ويصبحُ في المجتمعِ مهاناً .. وهو الذي ينبغي أن يعيشَ فيه إنساناً !!

لكن هذا الحالَ لن يدوم .. وسيعود المعلم شامةً كما كان.. وسيعرف قدرَه من كانوا قبَل أن يُعلِّمَهم جاهلين .. وعلى يديه أصبحوا علماء ومفكرين، أما الذين رفعتهم الأقدار وجعلت منهم الأطباءَ والمهندسينَ والتُّجار .. ثم نسوا يوم أن كان المعلم يحنو عليهم ليعلِّمهم من جَهالة .. ويغرس فيهم القيم ليخرجهم من عمى الجهل إلى نور العلم، فهؤلاء لن يضرَّ المعلمَ فعلُهم .. ولن ينالوا بنكرانهم الجميل من فضلِهم، وليعلمَ الجميعُ أنَّ قدرَ المعلمينَ عند الله معلوم .. وعملهم وأثرُهم لن تمحُوه الأيامُ ولا السنون !!!

علاء الصفطاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.