الفن والثقافة

نصيب

قصة قصيرة بقلم / المهندس أيمن سلامة 

ذات مساء خرجت أجوب شوارع مدينتنا القديمة ،التى تحمل بين جنباتها عبق ذكرياتى القديمة مع أصدقاء الطفولة والزمن الجميل الذى عشته معهم ،ولا يجول بخاطرى مكان محدد أذهب اليه الى أن توقفت قدماى فجأة بعد أن سمعت صوتا مرتفعا يذكر إسمى ,فتوجهت الىى مصدر الصوت فوجدت أحد الاصدقاء القدامى يجلس على مقعد خشبى كبير أمام احدى المحلات ،على ناصية شارعهم القديم المتقاطع أحد الشوارع الرئيسية بالمدينة .

جلست بجواره ،وبعد تبادل السلامات والعتاب  المعتادين فى مثل هذه المناسبات ،أخذنا نتجاذب أطراف الحديث ،وكالعادة لا نتفق على شئ مشترك بيننا سوى الضحك على نكاته التى يطلقها بين طيات حديثه ،و تأملت للحظات أثر السنين على وجهه ،وتعجبت فلم أجد لها أثراً يذكر ،فقلت له مازحا ..أنت كما أنت ..لم.. يتغير فيك شئ ، فقط زادت شراهتك للسجاير ،فأجابنى ضاحكا ..أنا لا أحمل بداخلى هما للدنيا ،فيكفينى ما نالنى منها ،هل تظن أنه سيجدث لى أكثر مما أنا فيه ؟؟؟..فقلت له معك حق ،لقد أخذت نصيبك  الوافر من الألم ،فيكفىك ذلك ..لتأمن من القادم ،فضحك كعادته ،وقد لمعت دمعة .. محرجة بعينيه ،وقال لى ..شوف ..كل واحد هاياخد حقه..المقسوم من الدنيا ،و هو.. و نصيبه ،ثم ضحك برغم ألمه البين على وجهه ..قائلا….سمعت النكتة دى ؟؟؟.

مرت اللحظات سريعة و لم أدرى ساعتها متى بدأ اللقاء ومتى انتهى ،ولكنه انتهى على أية حال ،كما ينتهى كل شئ فى دنيانا ،وقبل أن أغادر صديقى مودعا ،حرصت على مساعدته فى العودة الى منزله ، فقد كان مقعدا منذ سنوات طوال إثر حادث اليم ،ولا يغادر مسكنه الا نادراً ،وفى محاولة لتخفيف الحرج عنه لمساعدتى له فى العودة لمنزله بكرسيه المتحرك سألته،وأنا أتصنع الضحك ،متى سأراك ثانية لأهزمك فى الشطرنج ؟؟؟..فابتسم ..بحزن على غير عادته ،وقال.. إنت فاكر خروجى كده شئ سهل علىّ ؟؟ ،وصمت وهو يغالب دموعه ،عموما ..اللقاء نصيب.

مرت الايام سريعة كأنما تريد أن تلحق بموعد ما ،وعدت مرة أخرى للخروج كعادتى كلما أردت أن أعيش مع ذكرياتى باحثاً فى الوجوه عن أصدقائى القدامى الذين قد فرقتهم دروب الحياة ،و سعى كل منهم ليأخذ نصيبه المقسوم منها .،وبينما أنا أسير بنفس الشوارع ،من بعيد تنامى إلى سمعى صوت مقرئ للقرآن الكريم  ،وشاهدت صفوف المعزين ،وتملكنى شعور داخلى بالحزن لسبب لا أدرى ما هو ،و إزداد هذا الاحساس حين إقتربت من مكان العزاء لقد كان هو نفس مكان لقائى مع صديقى ،لقد كنت أجلس هنا معه منذ بضعة أسابيع . اقتربت منهم فرأيت بعض الوجوه التى أعرفها وقد كساها الحزن ،ورأيت اخوة صديقى وقد وقفوا متراصين فى صف طويل ،فى إستقبال المعزين ،فتقدمت و صافحتهم  وقد أذهلتنى المفاجأة المحزنة ، فلم أنطق بشئ ،وجلست صامتاً .

مرت لحظات العزاء ثقيلة مقبضة ،و كنت  أسمع خلالها بعض المعزين يذكرون إسم صديقى ،و يدعون له  بالرحمة ،وجلس إخوة صديقى بجوارى صامتين ،ثم قال أحدهم..أخى رحمه الله كان دائما يذكرك بالخير ،حاولت أن أتكلم وأنا أغالب دمعة متحجرة فى عينى ،لكنى لم أستطع ،فقال آخر …أرجوك.. سامحنا ،الموضوع كان مفاجأة لنا كلنا ،وما قدرناش نذيع فى البلد إنت عارف الظروف ..اللى البلد فيها ،لكن.. إنت  عرفت…إزاى ؟..غالبت دموعى المتحجرة ،و قلت له و أنا أغادر العزاء…نصيب.

                 المهندس أيمن سلامة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.