أراء وقراءات

هل العبرة بالنتيجة ؟!

بقلم / ياسر راجح

 

( العلم في ذاته لا شيئ، العبرة بالنتيجة ) ، عبارة في منتهى القسوة، صفع بها السيد أحمد عبد الجواد ولده الأصغر كمال الناجح حديثًا في البكالوريا، عندما أخبره الأخير عن نيته الإلتحاق بمدرسة ( كلية بلغة زماننا الحالي ) المعلمين العليا !

أتت العبارة في سياق الفيلم العربي الشهير – قصر الشوق – الذي عُرض على الجمهور لأول مرة في العام 1967م، و المأخوذ عن رواية تحمل نفس الإسم هي الجزء الثاني من ثلاثية الكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1988م .

كانت العبارة مستفزة و صادمة جدًا بالنسبة لي، لدرجة أعدت معها سماع المشهد الذي وردت فيه مراتٍ و مرات، و توقفت عندها طويلاً أفكرُ فيما تحمله من معنى براجماتي شديد الأنانية و التخلف، حيث لا قيمة للعلم و ربما لأي شيئٍ أخر ما لم يحقق لصاحبه المكانة الإجتماعية المرجوة و دخل مادي كبير يضعه في مصاف المستورين الأثرياء!

غير أنني سرعان ما نظرتُ في واقعنا المعاش بشيئٍ من الموضوعية و كثيرًا من التأمل، و سألتُ نفسي، لماذا يتسابق أبناؤنا و بناتنا كل عام في ماراثون الثانوية العامة الرهيب أملاً في تحصيل أكبر مجموع ممكن يؤهلهم للإلتحاق بإحدى كليات القمة، و لماذا يتهافت الخريجين من كافة مستويات التعليم على الإلتحاق بالكليات العسكرية التي تفتح أبوابها ليزحف إليها الطامحين الحالمين بالألاف كل عام، و لا ينجح في اللحاق بالميري منهم غير حفنة قليلة فقط من المحظوظين، في حين يلهث الأخرين في إتجاهاتٍ أخرى و بطرق مختلفة محاولين التمرغ في ترابه، و ما هو الدافع الحقيقي وراء تقدم البعض من خريجي الجامعات لعمل دراسات عليا بدءاً من الدبلومة و الماجستير إلى الدكتورة إلخ ؟!

و بعيدًا عن الشعارات المرفوعة و المبادئ المعلنة، أليس الهدف الحقيقي من وراء ذلك كله هو الوصول لما تحدث عنه السيد أحمد عبد الجواد في حواره مع ولده من وظيفة مضمونة و مكانة إجتماعية جيدة و دخل مادي و لا شيئ غير ذلك؟!، و إلا لماذا لم يخرج من وسط هذا الكم الهائل الذي تلقي به الجامعات كل عام من الخريجين و من العاملين ذوي الخبرات العملية المتنوعة مئات أو على الأقل عشرات من الأطباء من أمثال د. مجدي يعقوب ، و عشرات العلماء من أمثال د. أحمد زويل و عشرات الكتاب في حجم الأستاذ الكبير نجيب محفوظ ؟ !

هل تحولت الأبحاث و الشهادات و الدرجات العلمية إلى تراخيص لمزاولة المهنة ليس إلا؟!

و هل تحولت جهات العمل المحترمة من شركات و هيئات و جامعات و مراكز إلى مناطق دافئة لأكل عيش أمن مستقر فقط ؟!

لماذا تحول العلم من وسيلة لهدف قومي أسمى نسعى جميعًا لتحقيقه، ننقل به بلادنا إلى مصاف الدول العظمى، و لدينا كافة الموارد المالية و البشرية و العقول المؤهلة لذلك، إلى مجرد وسيلة للإرتزاق و الوجاهة الإجتماعية و حلبة للتنافس و النفسنة و الصراع أحيانًا ؟! .

 

الأربعاء: 17/نوفمبر/2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.