وهم الوعي: حين نظن أننا نعرف… بينما لا نعرف شيئًا

بقلم / الدكتورة هناء خليفة
ذات مرة، قرأت تغريدة، شاهدت فيديو، سمعت بودكاست… وشعرت أنك أصبحت تعرف كل شيء عن قضية معقدة.
تحمست. تشكل رأيك. دافعت عنه بشراسة في التعليقات. ثم انتقلت إلى ترند جديد.
ولكن، دعنا نتوقف لحظة:
هل ما كنت تشعر به حقًا هو وعي؟ أم مجرد وهم وعي صُمم بعناية ليمنحك شعورًا زائفًا بأنك مثقف، مُطّلع، ومشارك في النقاش؟
ما هو وهم الوعي؟
هو الشعور بأنك تفهم وتحلل وتُكوّن آراء عميقة، بينما أنت في الحقيقة تستند إلى معرفة سطحية، متفرقة، ومُوجهة.
هو أن تقرأ عنوانًا فقط، فتعتقد أنك فهمت كتابًا.
هو أن ترى صورة، فتقرر من هو الظالم ومن هو المظلوم.
هو أن تعيش داخل فقاعة رقمية، وتتخيل أنك ترى العالم كله.
من أين يأتي هذا الوهم؟
من السوشيال ميديا التي تُغذيك بالجرعات اليومية من “محتوى سريع الهضم”:
مقاطع قصيرة تجتزئ الحقيقة.
منشورات تستفز مشاعرك أكثر من أن تنير عقلك.
آراء جماعية تفرض عليك طريقة تفكير دون أن تشعر.
وقد أظهرت دراسة لجامعة ستانفورد (2021) أن 70% من مستخدمي الإنترنت يظنون أنهم أكثر وعيًا مما هم عليه فعليًا، فقط لأنهم يتعرضون لكم كبير من المعلومات اليومية.
لكن الكمية ليست وعيًا. والكثافة ليست فكرًا.
أعراض وهم الوعي: هل أنت مصاب به؟
١- تتحدث بثقة عن مواضيع لم تقرأ عنها بعمق.
٢- تكتفي بملخصات الفيديو والميمات بدلًا من البحث والتحليل.
٣- تشعر بأنك تعرف كل شيء… بينما لا تستطيع شرح ما تعرفه بدقة.
٤- تتشكل آراؤك بسرعة، وتتغير بسرعة، وكأنك تُعاد برمجتك كل ترند.
لماذا هو خطير؟
لأن وهم الوعي يمنعك من السعي للمعرفة الحقيقية.
لأنك عندما “تظن” أنك تعرف، تتوقف عن البحث، وتتحول إلى أداة في يد من يصنع المحتوى ويوجهه.
إنه أخطر من الجهل، لأنه يغلف الجهل بثقة زائفة.
كيف نكسر هذا الوهم؟
١- إقرأ أكثر مما تشاهد.
٢- تعلم أن تقول: لا أعرف. فهذه بداية المعرفة الحقيقية.
٣- فتش عن الرأي الآخر… دائمًا.
٤- اعتمد على مصادر موثوقة، ووازن بين العاطفة والعقل.
٥- أسأل: من يربح من هذا الوعي الذي أعيشه؟ هل هو وعيك أم وعي تم بناؤه لك؟
الحقيقة لا تُمنح… بل تُكتشف
في زمن تتكدس فيه المعلومات، لم نعد بحاجة لمزيد من “المعرفة السطحية”، بل نحتاج إلى “وعي حقيقي” يُبنى على التأمل، البحث، النقد، والشك الإيجابي.
فلا تكتفِ بالشعور بأنك واعٍ…
بل اسعى لتكون كذلك حقًا. لأن وهم الوعي قد يكون أكثر ما يُبعدك عن الحقيقة، بينما يقنعك أنك قد وجدتها.