أراء وقراءات

100 عام من سقوط الخلافة الإسلامية (1924-2024) …بين الماضي والحاضر

بقلم /ثروت عبد اللطيف سرحان

المتأمل في تاريخ الأمة الإسلامية وحالها الآن  ينتابه الهول مما أصبحت عليه الأمة  من ضعف وهوان ، هذه الأمة التي امتلكت كل مقومات القوة فسادت العالم بأسره ، وكان لها صدارة الدنيا قرون عديدة .

ولا عجب أن مقومات القوة التي تمتلكها هذه الأمة التي  من شأنها أن تصنع أمة لا مثيل لها ومتفردة ، تضمن لها البقاء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ما زالت قائمة ومتوفرة لديها .

تكمن هذه المقومات في وحدة لغتها ، ووحدة عقيدتها ، ووحدة دينها ، ووحدة أخلاقها ، وكانت قبل سقوط الخلافة الإسلامية وحدة سياستها ، فضلًا عن إمكانياتها البشرية والمادية .

ولقد فطن الاستعمار الغربي إلى  هذه المقومات ‘ فحاول جاهدًا أن يزيل اللغة العربية ويستبدلها باللغات الأجنبية في التعليم وغيره ، لعلمه التام بأن اللغة هي رمز الهوية .

ثم راح يلعب على الدين- أهم مقومات قوة الأمة –  بأن يشكك المسلمين في دينهم وعقيدتهم وقرآنهم ، ورموزهم ، وسيرة نبيهم ، وكتب أحاديثهم  ، بإلقاء الشبهات، والأغاليط حول ذلك ، فمن هنا نشأ الاستشراق.

كما فطن الاستعمار إلى وحدة الأمة السياسية تحت حكم واحد وهو  الخلافة الإسلامية، فراح ينخر في أوصالها ، ويدمر بنيتها ، ويقطع أوصالها ، ويتهمها بأنها الرجل المريض ، وكان من العجب أن عمد الاستعمار إلى إنشاء كيانات أو جماعات في شبه الجزيرة العربية  ، وعاونها لتناوئ الخلافة الإسلامية ، فلعب على الأعراق ، أو  الأجناس ، حتى تنهدم الخلافة من داخلها.

وقد نجح الاستعمار في مهمته ، واسقطت الخلافة في عام 1924 م ، تلك الخلافة التي دامت أكثر من ألف قرن من الزمان.

وإن كنت من الذين يخشون من المناداة  بإقامة الخلافة في عصرنا الحالي لتغير الظروف والأحوال، واستخدام هذا المصطلح من جماعات متطرفة أضرت اكثر ما نفعت.  ولكن ما يدمي القلب أن سقطت الخلافة بأياد من تربوا تحت ظلها ، واكلوا من خيرها ، وتعلموا في مدارسها، ولكن بعد أن تجرعوا السم الزعاف الذي بثه الاستعمار ، وتغلغل في عروقهم ، فتجردوا من دينهم ، وتنكروا لعقيدتهم ، واهملوا لغتهم ، أو لغة دينهم.

وبالانتقال إلى واقعنا المرير وخاصة هذا العام 2024 م (بعد مرور 100 عام على سقوط الخلافة ) وكأنه مقصود  نجد الحال هو الحال ، بل أشد ألمًا ، فترانا نجد من يهاجمون تراث هذه الأمة ، ورموزها وسيرة نبيها ، فلا جديد تحت الشمس ، ولا عجب أن نرى ذلك من بعض  أبناء جلدتنا ، ولكنهم توارثوا السم الزعاف ، بل الأدهى انهم راحوا ينبشوا في ما فعله الاستعمار واعوانه حتى يستمدون منه ما يسمونه مشروعهم الفكري والتنويري ، رغم انهم لم يأتوا بجديد ، فهذا المشروع ما هو الا امتداد لمشاريع الاستعمار وسمومه.

ولا عجب أن نجد في إعلان بعض هذه الكيانات أن مشروعهم ما هو إلا امتداد لمشروع (التنويري ) الذي بدأ قبل مئتين سنة ، فإذا مر على سقوط الخلافة مئة سنة ، فانظر متى بدأ مشروع اسقاطها.

ثروت عبد اللطيف سرحان

باحث بجامعة الأزهر 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.