بر الأباء …. وواجبات الأبناء

بقلم – وليد على
نسمع كثيرا عن البر وعن تعريفاته وواجباته وأعظم البر وأجله هو بر الأباء الذين هم سبب وجودك فى هذه الحياة الدنيا لأن الله جل وعلا أمر بهذا البر بل وجعله مرتبط بتوحيده وعبادته وأعجب من هؤلاء الشباب الذين يضيعون أنفسهم فى الدنيا قبل الأخر بترك هذا البر وبدعوى الحرية والتقدم والتحضر ولكن سقط هؤلاء فى وحل هذه الإدعاءت الكاذبه التى أفسدت عليهم دينهم ودنياهم وأصبحوا ولا حول ولا قوة الا بالله فى دائرة العقوق وهم لا يدركون .
ان التمسك بقيم وتعاليم الدين الحنيف مع الأباء والأمهات والاخوة والجيران والاصدقاء يجعل من هذه العلاقات نوعا فريدا فى الحب والعطاء والجمال والنبل .
انظر الى أمر الله سبحانه وتعالى لعباده وحثهم على بر الاباء وربط هذا البر بتوحيد الله وعبادته قال الله تعالى
۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا .
التفسير: وأَمَر ربك -أيها الإنسان- وألزم وأوجب أن يفرد سبحانه وتعالى وحده بالعبادة، وأمر بالإحسان إلى الأب والأم، وبخاصة حالةُ الشيخوخة، فلا تضجر ولا تستثقل شيئًا تراه من أحدهما أو منهما، ولا تسمعهما قولا سيئًا، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ، ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، ولكن ارفق بهما، وقل لهما -دائما- قولا لينًا لطيفًا.
وكُنْ لأمك وأبيك ذليلا متواضعًا رحمة بهما، واطلب من ربك أن يرحمهما برحمته الواسعة أحياءً وأمواتًا، كما صبرا على تربيتك طفلا ضعيف الحول والقوة.
عرفه الحسن البصري رحمه الله ، البر فقال: (أن تبذل لهما ما ملكت، وتطيعهما ما لم يكن معصية)
ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
فبر الوالدين من أعظم القربات وأجل الطاعات، وببرهما تتنزل الرحمات، وتأملوا كيف أمر الله تعالى بالبر والإحسان وإن كانا على الكفر: ﴿ وَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
انظر الى صور البرالتى بينها لنا أصحاب رسول الله وهم يترجمون لنا البر بواقع عملى
قالت أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أمي قدمت وهي راغبة؛ أي: طامعة فيما عندي، تسألني الإحسان إليها، فهل أصلُها؟ قال: نعم، صلي أمَّك، قال ابن عيينة: فأنزل الله تعالى قوله: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ﴾
وعن أبي غسان الضبي أنه خرج يمشي بظهر الحرة وأبوه يمشي خلفه، فلحقه أبو هريرة، فقال: من هذا الذي يمشي خلفك؟ قلت: أبي قال: (أخطأت الحق ولم توافق السنة، لا تمش بين يدي أبيك، ولكن أمشي خلفه أو عن يمينه، ولا تدع أحدًا يقطع بينك وبينه، ولا تأخذ عرقًا؛ (أي: لحمًا مختلطًا بعظم) نظر إليه أبوك، فلعله قد اشتهاه، ولا تحد النظر إلى أبيك، ولا تقعد حتى يقعد، ولا تنم حتى ينام).
يروى محمد بن سيرين رحمه الله، فيقول: كانت النخلة تبلغ بالمدينة ألفًا، فعمَد أُسامة بن زيد إلى نخلة فقطعها من أجل جمارها، فقيل له في ذلك، فقال: إن أمي اشتهته علي وليس شيء من الدنيا تطلبه أمي أقدر عليه إلا فعلتُه .
أخرج أبو داود والترمذي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كانت تحتي امرأة وكنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلِّقها، فأبيت، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم طلِّقها ، فما كان منه رضي الله عنه إلا طلَّقها طاعة لأبيه .
وفي أخبار أبي حنيفة ذكر المؤلف أن أُم أبي حنيفة حلفت يمينًا فحنثت، فاستفتت أبا حنيفة، فأفتاها فلم ترضَ، قالت: لا أرضى إلا بما يقول زرعة القاص، فجاء بها أبو حنيفة إلى زرعة، فقال: أفتيك ومعك فقيه الكوفة! فقال أبو حنيفة: أفتها بكذا وكذا، فأفتاها فرضيت،
وعن سعيد بن عامر قال: قال ابن المنكدر: بات أخي عمر يصلي وبت أغمز قدمي أُمي، وما أحب أن ليلتي بليله
أَتَى رَجُلًا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا، وَإِنَّ وَالِدِي يَحْتَاجُ مَالِي؟ قَالَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ»
من حقوق الوالدين على الأبناء وبرهم : الاستئذان منهما، والاستنارة برأيهما؛ سواء في الذهاب مع الأصحاب للبرية، أو في السفر خارج البلد للدراسة ونحوها، أو للخروج من المنزل، ونحو ذلك.
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، قَالَ: «فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا وَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا»
كانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إذَا أَتَى عليه أَمْدَادُ أَهْلِ اليَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ؟ حتَّى أَتَى علَى أُوَيْسٍ فَقالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: مِن مُرَادٍ ثُمَّ مِن قَرَنٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَكانَ بكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ منه إلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: لكَ وَالِدَةٌ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: يَأْتي علَيْكُم أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ مع أَمْدَادِ أَهْلِ اليَمَنِ، مِن مُرَادٍ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ، كانَ به بَرَصٌ فَبَرَأَ منه إلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، له وَالِدَةٌ هو بهَا بَرٌّ، لو أَقْسَمَ علَى اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لكَ فَافْعَلْ فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ له، وعن أصبغ بن زيد قال: إنما منع أويسًا أن يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم برُّه بأمه
ومن بر الوالدين الدعاء لهما سواء كانا أحياء أم أموات وهو من هدي الأنبياء والرسل؛ فقد قال تعالى عن دعاء إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 41]، وقال عن دعاء نوح عليه السلام: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ﴾ [نوح: 28]
قال سبحانه: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنى لي هذه، فيقول باستغفار ولدلك لك)
وعن محمد بن سيرين قال: كنا عند أبي هريرة رضي الله عنه، فقال: اللهم اغفر لأبي هريرة، ولأمه ولِمَن استغفر لهما، قال محمد: فنحن نستغفر لهما حتى ندخل في دعوة أبي هريرة.
من حقوق الآباء على الأبناء: الصدقة لهما ومن بر الوالدين ومن حقوقهما بعد الوفاء ألا تبخل عليهما، وأن تكون وفيًّا لهما بالصدقة؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أُمه توفيت أينفعها أن تصدقت عنها؟ قال: نعم، قال: فإن لي مخرافًا، فأنا أشهدك أني قد تصدقت عنها
وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها، وأراها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها، قال: نعم تصدَّق عنها[17]، وعند مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات وترك مالًا ولم يوصِ، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه، قال: نعم الدعاء .
وكذلك ينبغى على الأباء ان يعلموا أن لابنائهم حقوق الله سألهم عنها يوم القيامه
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [كلكم راعٍ، ومسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته]
يقول الإمام الغزالي في رسالة أنجع الوسائل: “الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه،
وأكّد ابن القيم – يرحمه الله – هذه المسؤولية فقال: “قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة، قبل أن يسأل الولد عن والده، فإنه كما أن للأب على ابنه حقاً، فللابن على أبيه حق، فكما قال الله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً) (العنكبوت:7) وقال أيضاً: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) (التحريم:6)، فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم .
فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبتِ إنك عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً”.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سماهم الله – تبارك وتعالى – أبراراً، لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما أن لوالديك عليك – حقاً – كذلك لولدك عليك – حقاً .
فما أجمل البر وما أعظم أن يؤدى كلا منا ما عليه تجاه من يعول اللهم أحفظ أبنائنا وأرحم أبائنا وأمهاتنا .