أراء وقراءات

أكاديمية الحياة والنجاح

بقلم ، د. محمد توفيق ممدوح الرفاعي

الحياة هي أكاديمية ديناميكية كبرى متجددة ،لا تحدها جدران ولا فصول ، ولا زمان أو مكان. يدخل الدارسون فيها منذ قدومهم إلى الحياة الدنيا،وبدء مداركهم المعرفية البدائية المحيطة بهم ،إلى نهاية مسيرتهم الحياتية وخروجهم منها. فهي متجددة الحيوية ،متعددة المعارف ، يصعب إحصاؤها . متشعبة العلوم والمدارك، تتبلور الأفكار وقد صقلت كل المدركات الإنسانية، وأسهمت فيها حسب الظروف والمعطيات والاحتياجات البشرية.

ولهذا فإن مقرراتها لا تكتمل ولا تنتهي ، ففي كل يوم هناك مستجدات وأفكار ومكتشفات ونظريات وصراعات مختلفة ، لها منهجيات حضارية متنوعة تدخل ضمن المقررات الواجب دراستها. فهي تحمل في طياتها كل المعارف العلمية والفنية والأدبية والاجتماعية ،و مجموع الميزات والخصائص الاجتماعية والدينية والخلقية والتقنية والعلمية والأدبية والفنية على مر العصور .وصراعتها المستمرة التي تنتج في كل مرحلة نتائج جديدة وخبرات مستحدثة تستوجب البحث والتمحيص ودخول معتركها .

وتتميز هذه الأكاديمية عن الأكاديميات الدراسية التي تحدها الجدران والفصول ويعد الإنسان مقرراتها، ومراحلها الانتقالية، وطريقة تلقي العلوم المعرفية ضمن مناهج دراسية معدة مسبقة في كتب يعدها المدرسون. وعلى الطالب اجتياز الامتحانات المقرر في نهاية كل فصل من فصولها وليحصل في نهاية الأمر على شهادة علمية وضعية تثبت انه تلقى نوعا من العلوم الإدراكية التحصيلية تخوله ممارسة مهنة محددة في العلوم التي تلقاها.

أما أكاديمية الحياة فتتميز بمقرراتها المتعددة المختلفة المتجددة، التي لا تعتمد فقط على التلقي بل وأيضا على المدركات الحسية عمليا ونظريا والفكرية الخاصة والعامة والمحاكاة الفكرية والذكاء البشري المكتسب والفطري . والصراعات بكل أنواعها إن كانت فردية أو اجتماعية أو دولية ، كالصراع بين الخير والشر ، أو من اجل البقاء أو على السلطة، أو صراعا اقتصادية أو اجتماعيا . هذه الصراعات موجودة في كل زمان ومكان، وفي كل المجتمعات ،متجددة وتظهر من حين لأخر وفي أثواب مختلفة ، وعادة تكون بين عدة فرقاء .والنتيجة الحتمية لها أن يكون هناك غالبا أو مغلوبا ، منتصرا أو مهزوما ،واحيانا يكون التعادل هو النتيجة المثلى .

وهناك دائما من يراقب الأحداث عن كسب وعن بعد ، ألا وهو الانتهازي الذي يتحين الفرص ليحقق مكاسب شخصية على حساب الأخرين. فهو بذكائه المعهود وغالبا ما يكون مفضوحا يعتمد مبدأ النأي بالنفس حيال الأحداث فيتوارى خلف الأكمة. يراقب الأحداث بعين ثاقبة إلى أن تنجلي الأمور فيخرج ويشد على يد المنتصر ويهتف له بدهاء المنافق وكان شيئا لم يكن ليجني نتائج نصر غيره . ونتيجة تميزها هذا فمقرراتها لا تنتهي ابدأ فكلما أنهيت مقررا أو بحثا وجدت أن هناك الكثير من المقررات والأبحاث الأخرى عليك دراستها أو هناك من المعارف والمدركات المكتشفة لاحقا التي يجب عليك تحصيلها .

وهذا ما يجعلها تختلف عن الجامعات المعرفية المهنية المحدودية المحدثة والتي تعتمد على الاختصاص والتي أسستها المجتمعات الإنسانية حيث يعتمد الدارسون فيها على تلقي العلوم من الأساتذة المختصين . وهذه أيضا مرتبطة ارتباطا وثيقا مع المستحدثات العلمية الجديدة والمتطورة والتي يتطلب تحديث مقرراتها حسب المعارف المحدثة، بعدها يتقدمون إلى امتحانات في نهاية المرحلة الدراسية تثبت فهما وإدراك ما تلقوه من معلومات لتمنحهم شهادات علمية تعطي حاملها صالحية ممارسة أعمال ووظائف عامة.

أما أكاديمية الحياة فهي دائمة الحداثة والاستمرارية كما اسلفنا وهي على شكل اختبارات عملية متكررة قد تتشابه أحيانا في المظهر ولكنها تختلف في الجوهر وهي تعكس حالات متعددة الوجوه والظروف، ولذلك تكون أكاديمية الحياة متشعبة العلوم والمدارك تتبلور الأفكار فيها حسب الظروف والمعطيات والاحتياجات البشرية ففي كل يوم هناك مستجدات وأفكار ومكتشفات ونظريات وصراعات مختلفة لها منهجيات متنوعة فكلما أنهيت مقررا أو بحثا وجدت أن هناك الكثير من المقررات والأبحاث الأخرى عليك دراستها .

فبالإجمال أن الدراسة في أكاديمية الحياة والامتحانات تتصف بدوامية الاستمرار يكون فيها الإنسان قد حصل على أعمال وخبرات علمية وثقافية تتناقلها الأجيال فهي تأخذ وتعطي تتيح للبعض في التميز والبعض الآخر قد يكون عابر سبيل التحق في مدرسة ما ولم يستطع أن يحقق أي نجاح أو يكتسب المعارف فمن لحق الركب سلم وأحرز المكاسب والإنجازات إلا ومن لم يلحق الركب فشل وتردى فالرسوب فيها يعتبر مكلفا جدا وهي في المقابل لا تعطي شهادات تخرج مطلقا إنما تعطي صحيفة أعمال قد يذكرها الدارسون وتعلق لهم أعمالهم على جدرانها أو يكونون مع الغابرين، ولذلك على الطالب التهيؤ للامتحانات المتكررة التي لا تنتهي فعليه التعلم من الحياة كل ما هو مفيد وناجع بالاعتماد على استثمار المعرف المدرسية التي تلقاها والاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين من خلال معارفهم المكتسبة والتجريبية والاعتماد على اكتشاف ما خفي عنه واعتماد طريقة التحليل العلمي والمنطقي لكل الظواهر والمدركات وإعادتها إلى أصولها ومقارنتها مع مثيلاتها أو مع من تجتمع به من مواصفات مع ظواهر أخرى.

ولكي ينجح الإنسان في أكاديمية الحياة عليه أن يضع نصب عينيه النجاح والطموح الذي يهدف إليه ليحقق ذاته . ولا يتم ذلك إلا ضمن شروط خاصة: أولها الإيمان بالله على أنه هو القادر على كل شيء والاستعانة به على قضاء حوائجه واستلهامه القوة ، وأيضا الثقة الكاملة والمتينة بالنفس بعيدا عن الغرور والتعالي .ثم النظر إلى الحياة نظرة جميلة وأنه يستحق أني يحياها ،ويكون فاعلا متفاعلا معها ،وعلي أنها هي المدرسة الكبرى .ومن ثم وضع الهدف والغاية النبيلة بصدق التي يطمح في تحقيقها والوصول إلى النجاح ، مستعينا بما حصل عليه من معارف وعلوم ومع خبرات وتجارب الآخرين وقد وضع لنفسه مثلا ناجحا يقتدي به متحليا بالصبر والأناة .

فالطموح لتحقيق الأفضل هو صفة الإنسان المكافح الذي فهم وادرك الحياة ويسعى دائما لتحقيق الأفضل فالإنسان الطموح هو الذي يحب دائما إلى أن يكون في المقدمة مشاركا فاعلا في الحدث ويأبى أن يكون في الصفوف الخلفية أو في قوائم الاحتياط .

* د. محمد توفيق ممدوح الرفاعي كاتب وشاعر سوري 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.