الصراط المستقيم

تصحيح المفاهيم الشرعية عند حدوث الكوارث الكونية

كتب/هاني حسبو.

كلما وقعت أحداث من حولنا كلما ازدادنا يقينا بالإيمان بكتاب الله تعالى حيث لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

في هذه السطور القادمة نطبق ونصحح مفاهيم شرعية بينها لنا شرعنا الحنيف حيال حدوث كوارث كونية وما أحداث الثلاثاء الماضي منا ببعيد.

بداية لابد من نسبة أي كارثة أو مصيبة تحل بنا أو قريبا منا إلى مردها الصحيح وهو أن الله عز وجل خلق هذا الكون ويسير إمره بدقة وحكمة بالغة لذا تصح التسمية بكوارث كونية وليس طبيعية لأن الله هو خالق الطبيعة.

قال الله تعالى:

“إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].

بيّن سبحانه في كتابه وسنّة رسوله صلى الله عيه وسلم أن تلك الكوارث؛ إما أن تكون ابتلاء للمؤمنين لامتحانهم في إيمانهم وصبرهم أو لتكفير سيئاتهم أو لرفع درجاتهم، وإما أنها عقوبة للكافرين والعاصين، اسمعوا هذه الآيات: قال تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } [الرعد: 13]،

واذا تتبعنا القرآن وهو يصور لنا أسوأ كارثة حدثت في تاريخ البشرية الا وهي إغراق قوم نوح فنجد تكاملا في وصفها بداية من ذكر أسبابها ثم الحكمة من هذا العذاب للحذر من تكرار مسالك الكافرين.

قال الله تعالى:

“كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ . فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ . فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ . وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ . تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ . وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 9 -15].

ومن الظواهر الكونية التي تستحق الوقوف معها الريح من حيث كونهااما رحمة واما عذاب.

قال الله تعالى:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب: 9]. وقال سبحانه عن الكارثة الكونية التي أنزلها بقوم عاد لمّا كفروا: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ . مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 41- 42.

وحينما أراد الله تعالى أن يكشف لنا عاقبة جحود النعمة وعدم شكرها وأنها سبب الكوارث قص علينا قصة سبأ فقال تعالى:

“لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ . فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 15 – 16].

وعلمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم كيفية تدبر الأزمات والكوارث وجعلها سبب في زيادة الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرف في وجهه، فتقول : يا رسول الله، إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية؟! فقال: «يا عائشة، ما يُؤمِنِّي أن يكون فيه عذاب! عُذِّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا»

وأرشدنا سبحانه كيف نحتاط لأنفسنا ونتجنب الكوارث والأضرار في الدنيا والآخرة عمومًا، وذلك أولًا: بالإيمان بالله والتمسك بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً “الطلاق 8,’. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا} [الطلاق:  10]. وثانيًا: بالأخذ بالأسباب المادية كما في قصة ذي القرنين، {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} [الكهف: 94].

حفظ الله المسلمين وسلمهم من كل مكروه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.