الصراط المستقيم

فتاوى المفطرات المعاصرة..حكم الحقن وغسيل الكلى والقسطرة وغيرها (2)

بقلم الدكتور محمد النجار

الحمد لله على توفيقه ، فهذا هو الجزء الثاني،ويتضمن حكم الحقن في الصوم،والحقنة الشرجية، والتحاميل”اللبوس”للرجل والمرأة، وحكم غسيل الكلى ، وحكم القسطرة، ومنظار المعدة،ومنظار البطن،وتبرع الصائم بالدم وغيرها..وهل هذا كله يؤدي إلى تفطير الصائم أم أن هناك أحكام ونظرة جديدة بناء على التشريح في الطب الحديث؟

فالصيام أحد أركان الإسلام ، ولا يعلم أجره إلا الله  سبحانه وتعالى حسب ما ورد في الحديث :عن أبي هريرة قال : قالَ رَسولُ ﷺ:

((قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به، ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ))  رواه البخاري

فإذا كانت الحسنة يتم مضاعفتها حتى سبعمائة ضعف ، فإن أجر الصوم قد جعله الله عنده أعظم من ذلك ولم يُطْلع عليه أحد ، وسَيفاجأ الصائم بهذا الأجر العظيم عند لقاء الله ..

ولهذا الأجر العظيم للصوم ، يحرص المسلم على معرفة المفطرات التي تؤثر على صيامه  ، ونكشف  في هذا المقال بعض الأحكام التي ساعد الطب الحديث والتشريح في  كشف حقيقة  الحكم عليها بأنها مفطرة أو غير مفطرة  فربما كان الحكم عليها سابقا بأنها مفطرة ، بينما تغير الحكم في ضوء ماكشف عنه الطب والتشريح.

1- حكم الحُقْنَ على الصيام :

الحقن كلها لاتفطر  :

هذا ماجاء في فتاوى شيخ الأزهر – محمود شلتوت :

اذا كان من محظور الصوم الأكل والشرب- وحقيقتهما دخول شئ من الحلق إلى المعدة ،والمعدة هي محل الطعام والشراب من الأنسان،كان المبل للصوم ما دخل فيها بخصوصها،سواء أكان مغذيا أم غير مغذ ، ولابد أن يكون من المنفذ المعتاد ، ومن أجل هذا فما دخل الجوف ولكن لم يصل إليها لا يفسد الصوم .

وورد في فقه السنة :

الحُقْنَةُ مطلقا سواء أكانت للتغذية ، أم لغيرها ، وسواء أكانت في العروق ، أم تحت الجلد ، فإنها وإن وصلت إلى الجوف ، فإنها تصل إليه من غير المنفذ المعتاد. (فقه السنة-الجزء الأول – باب مباحات الصيام ص322)  .

والحقن الجلدية أو العرقية يسري أثرها في العروق ولا تدخل محل الطعام والشراب، فلا تفطر ، نعم قد يُحدث بعضها نشاطاً في الجسم وقوة عامة ، ولكن لا تدفع جوعا ولا عطشا  ومن هنا لا تأخذ حكم الأكل أو الشرب وإن أدت شيئاً من مهمته (فتاوى الشيخ محمود شلتوت-شيخ الأزهر)   .

 

2- حكم الحقنة الشرجية على الصيام   :

فالحقنة الشرجية يدخل بها الماء في الجوف ، لكن لايصل إليها ، فلا تفطر  .

اللبوس الشرجي : أقماع البواسير أو مراهمها أو الاكتحال ، أو التقطير في العين أو مسها ، كل ذلك لا تأثير لشئ منه على الصوم ، فهو ليس بأكل في صورته ولا في معناه ، وهو بعدُ لايصل الى المعدة محل الطعام والشراب   .

3- حكم  التحاميل (اللبوس) على الصيام :

قد يلجأ المريض الى استخدام التحاميل في فتحة الشرج لتخفيف آلام البواسير أو خفض درجة الحرارة وغير ذلك .

وقد تلجأ المرأة الى أن تضع في المهبل تحاميل لبوس أو غسول أو منظار مهبلي اثناء الصيام ..وهناك قولان :

القول الأول : أن المرأة إذا قطرت في قبلها مائعا لاتفطر ، وإليه ذهب المالكية والحنابلة ، واستدلوا بأن فرج المرأة ليس متصلا بالجوف.

وهذا ما أقره مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة التعاون الاسلامي رقم 93)1/10) بشأن المفطرات في مجال التداوي : الأمور الآتية لاتعتبر من المفطرات: وذكر منها : مايدخل المهبل من تحاميل(لبوس)،أو غسول ، أو منظار مهبلي ، أو أصبع للفحص الطبي   .

وبه أفتى الشيخ محمد العثيمين يرحمه الله ، حيث يقول: لا بأس أن يستعمل الصائم التحاميل التي تجعل في الدبر إذا كان مريضا ، لأن هذا ليس أكلا ولا شرباً ، ولا بمعنى الأكل والشرب ، والشارع إنما حرم علينا الأكل أو الشرب ، وما ليس كذلك فإنه لا يدخل في الأكل والشرب لفظا ومعنى ، فلا يثبت له حكم الأكل والشرب   .

القول الثاني : أن المرأة إذا قطرت في قبلها مائعا فإن صومها يفسد ، وذهب إليه الحنفية والشافعية . واستدلوا بأن لمثانة المرأة منفذا يصل الى الجوف ، كالإقطار في البدن .

    ملاحظة هامة :

قرر الأطباء في الوقت الحاضر أنه ليس بين المثانة والمعدة منفذ لا من قريب ولا من بعيد.. وهذا يستلزم اعادة أصحاب هذا الرأي لقولهم .

 

4- حكم غسيل الكلي في الصيام :

اولا : الغسيل الدموي للكلى :

يوجد قولان في الغسيل الدموي للكلى :

القول الأول :

ذهب بعض العلماء إلى ان غسيل الكلى يؤدي الى تفطير الصائم لأن عملية الغسيل تستلزم إعطاء أدوية متعددة كمسيلات الدم وبعض الهرمونات والفيتامينات والأملاح والسكريات ، وأفتت بذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية .

القول الثاني :  بأن الغسيل الدموي للكلى لايفسد الصيام  واستدلوا بأن غسيل الكلى يلحق بالحقن ، فليس أكلاً ولا شربا  أنما هو حقن لسوائل في صفاق البطن ثم استخراجه بعد مدة أو سحب للدم ثم أعادته بعد تنقيته عن طريق جهاز الغسيل الكلوي  .

ثانيا : الغسيل البريتوني :

في حال فشل الغسيل الدموي للكلى ، يتم الغسيل البريتوني وذلك عن طريق الغشاء البريتوني في البطن ، حيث يتم ادخال أنبوب عبر فتحة صغيرة في جدار البطن (فوق السرة) ، ثم إدخال ليترين من السوائل تحتوي نسبة عالية من سكر الجلوكوز الى داخل جوف البطن ،ثم يتم سحبها وتتكرر عدة مرات في اليوم الواحد،ولاشك ان كمية السكر الموجودة تدخل الى دم الصائم عن طريق الغشاء البريتوني .

ويسري على هذا الغسيل البريتوني نفس الحكم والخلاف الذي ذكرناه في حكم الغسيل الدموي وتأثيره على حكم صحة الصيام   .

 

5- حكم القسطرة على الصيام :

القسطرة عبارة عن إدخال إنبوب دقيق في الشرايين للتصوير أو العلاج أو لأي غرض طبي آخر. فإدخال هذه القسطرة ليست أكلا ولا شربا ولا يدخل أنبوب القسطرة  المعدة أصلا ، وبهذا ليس للقسطرة أثر  على صحة الصيام. وبهذا أخذ مجمع الفقه الاسلامي الدولي المنبثق من منظمة التعاون الاسلامي رقم 93(1/10) بشأن المفطرات في مجال التداوي – الأمور الآتية لاتعتبر من المفطرات : وذكر منها : إدخال قسطرة (انبوب دقيق) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء   .

6- حُكم منظار المعدة في الصيام :

هو منظار صغير  يتم إدخاله من الفم  الى المعدة لفحص المعدة وأخذ عينة وتصوير القرحة أو لأي غرض طبي آخر ، اختلف الفقهاء على قولين :

القول الاول: ذهب أصحابه إلى ان كل شئ يدخل الجوف يُعد مفطرا حتى لو بلع حصاة أو حديدة ، واشترطوا استقرار ذلك الشئ ولا يكون له طرفا في الخارج ، فإن بقي منه شئ في الخارج لايعتبر مستقرا .

القول الثاني : أنه لا يُفطر إلا الذي دخل المعدة من طعام وشراب ، لأن المقصود بالأكل والشرب في النصوص هو الأكل والشرب المعروف الذي اعتاد عليه الناس دون أكل الحصاة والدرهم ونحوهما، فإن هذا لاينصرف إليه النص ، وقد جعل الله ورسوله الطعام والشراب مفطرا لعلة  التَّغَذِي والتَقَوِّي وليس لمجرد كونه واصلاً الى الجوف،قال شيخ الاسلام :نهى عن الأكل والشرب الذي يولد الدم الكثير الذي يجري فيه الشيطان،وهذا لايتولد إلا من الغذاء وليس عن حقنة ولا كحل .

وهوأنه لايفطر مما دخل الى المعدة إلا إذا كان طعاما أو شرابا أو مافي معناهما ،

وقد ورد في الموسوعة الميسرة في فقه القضايا المعاصرة :

أن استخدام منظار المعدة للصائم لايفطر إذا لم يصاحب المنظار سوائل أو مواد دهنية ، فإذا صاحبه ذلك حصل التفطير للصائم بهذه المواد لا بالمنظار ، وبهذا أخذ مجمع الفقه الاسلامي الدولي المنبثق من منظمة التعاون الاسلامي حيث جاء في القرار رقم 93(1/10)بشأن المفطرات في مجال التداوي : الأمور الآتية لاتعتبر من المفطرات: وذكر منها : منظار المعدة إذا لم يصاحبه أدخال سوائل(محاليل)أو مواد أخرى  . .

الترجيج :

أن منظار المعدة لا يُفطر لكونه جامداً لايُغذي ، وهذا ماختاره الشيخ محمد العثيمين (الشرح الممتع 6/383) رحمه الله حيث يقول : الصحيح أن إدخال منظار المعدة للصائم لا يُفطر إلا أن يكون في هذا المنظار دهن أو نحوه يصل الى المعدة بواسطة هذا المنظار ،فإنه يكون بذلك (الدهن وليس بالمنظار) مفطرا، ولا يجوز استعماله في الصوم الواجب إلا للضرورة . (المصدر الموسوعة الميسرة في فقه القضاياالمعاصرة العبادات جزء6ص441)

7- حُكم منظار البطن في الصيام :

هو منظار صغير يتم ادخاله من خلال فتحة صغيرة في البطن  لتشخيص بعض الأمراض ، ولإجراء العمليات الجراحية مثل استئصال المرارة أو الزائدة أو لسحب البيضات في عملية التلقيح الصناعي (طفل الأنابيب) ولغير ذلك من الأغراض الطبية .

وهذا ينطبق عليه حكم الفقهاء الأقدمون فيما يشبه الجائفة وهي الجرح في البطن الذي يتم وضع فيه الدواء ، وكان يحدث ذلك في الجهاد حينما يتم جرح المجاهدين في بطونهم ويتم معالجتهم بالدواء ، ولم يتم تفطير الصائم بل يستكمل صيامه ، ولو حدث غير ذلك لوصل إلينا الخبر بتفطير المجروح في البطن .

والقول الأرجح :

أن منظار البطن لا يفطر .

تعريف الجائفة : هي الجرح الذي في البطن ، يصل الى الجوف ، إذا وضع فيه الدواء  .

8- حُكم تبرع الصائم بالدم في الصيام : (أثر التبرع بالدم على صحة الصائم)

التبرع بالدم يشبه الحجامة ، ولذا نذكر حكم الحجامة ، وفيها قولان :

القول الأول : أن الحجامة تُفطر ، وذهبوا في ذلك الى حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه ابو داود.

القول الثاني :أن الحجامة لا تُفطر ، وهو مذهب الجمهور من السلف والخلف  . ودليلهم في ذلك :

حديث ابن عباس((احتجم رسول الله وهو صائم)) رواه البخاري ، وفي لفظ عند الترمذي((احتجم وهو صائم محرم))قالوا وهو حديث ناسخ لحديث((أفطر الحاجم والمحجوم)).

والخلاصة : أن التبرع بالدم يُقاس على مسألة الحجامة ، والذي تدل عليه الأدلة أن الحجامة لا تفطر ، فكذلك التبرع بالدم  .

9- حكم الجائفة (الجرح في البطن يصل الى الجوف):

الجائفة هي الجرح في البطن الذي يصل الى الجوف ويتم وضع الدواء في هذا الجرح ، واختلف الفقهاء في حكم تأثيره على الصيام :

القول الأول : أنها لا تُفطر ، وهو مذهب مالك ، واختاره شيخ الاسلام ، واستندوا في ذلك الى :

  1. 1. أن مايوضع في الجرح لايصل لمحل الطعام.
  2. 2. أن المسلمين كانوا يُجرحون في الجهاد ، ولم يُنه الصائم عن ذلك ، و كان هذا دليلا على عدم إفساد الجرح للصوم .

القول الثاني: ذهب الجمهور الى أنها تفطر واستندوا الى أن الدواء وصل الى جوفه باختياره أشبه الأكل ، لكن هذه القول مردود عليه بأن الدواء لم يصل الى المعدة فضلا على أنه ليس طعاما ولا شرابا ولم يدخل من المنفذ الطبيعي للطعام والشراب .

القول الترجيحي هو اختيار القول الأول بأن الجرح (الجائفة بما وضع فيها من دواء) لاتفطر  . والله أعلم .

10- الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية للصائم

لصقات النيكوتين :

هي لصقات تفرز تلقائيا النيكوتين إذا احتاجه الجسم لمساعدة من أراد  الإمتناع عن التدخين ، فتوضع على سطح الجلد وتمتصها الشعيرات الدموية الى الدم بشكل بطئ جدا .

وقال بعض الفقهاء أنها تفطر إلا أن مجمع الفقه الاسلامي الدولى المنبثق من منظمة التعاون الاسلامي ، فقد قال في قراره رقم 93(1/10)بشأن المفطرات في مجال التداوي : الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات : وذكر منها مايدخل الجسم امتصاصا من الجلد كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية   .

 

المراجع :-

كتاب مفطرات الصيام المعاصرة – دكتور احمد بن محمد الخليل الاستاذ المساعد في قسم الفقه بجامعة القصيم

فقه السنة –  طبعة الفتح للإعلام العربي القاهرة الجزء الأول – مباحات الصيام

الموسوعة الميسرة في فقه القضايا المعاصرة العبادات

أثر التداوي في الصيام ، اسامة خلاوي

فقه الصيام ، محمد حسن هيتو

فقه القضايا المعاصرة في العبادات، عبدالله أبو زيد

أثر التداوي على الصلاة والصيام ، زينب عياد حسن عبدالله ،جامعة الإمام ، مؤتمر الفقه الإسلامي الثاني .

مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي

مجموع فتاوى الشيخ بن باز (15/275)

مجموع فتاوى الشيخ بن عثيمين

أخيرا .. أتوجه إلى الله أن يتقبل مني هذا الجهد خالصا لوجهه الكريم  في بيان  فتاوى المفطرات المعاصرة ، وأن  يكون ذلك  سببا في تخفيف أعباء الصيام على المرضى الذين يحرصون على صيام شهر رمضان المبارك للفوز بالأجر الكبير من الله ، فإن أصبت فهذا توفيق من الله يستلزم الشكر ، وإن أخطأت فأرجو المغفرة والعفو من الله الكريم ، فهذا  جهدي الإنساني  الضعيف ، فالكمال المطلق لا يكون إلا لله تعالى.  وأدعو الله دائما  أن يلهمنا الصواب في الفكر والقول والعمل .

وأرجو مشاركة القراء   في النشر لاستفادة أكبر عدد من المسلمين من تلك التيسيرات ،  وتخفيف عبادة الصوم عن  كثير من المرضى الذين يحتاجون تلك الفتاوى  لعل الله يتقبلها منا ومنكم ويجعلها في ميزان حسناتنا جميعا ..

اخوكم د.محمد النجار
السبت 26 رمضان1442هـ
الموافق 8 مايو 2021

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.