أراء وقراءات

  مفهوم الكون الكبير (1) .. مقدمة

 

بقلم / د.سعد كامل

لم يتوقف الإنسان منذ بداية الخليقة عن البحث حول مفهوم الكون من حوله:

  • ما هذه الأرض التي نعيش عليها؟ ومما تتركب؟ وما شكلها؟ وما حقيقة العمليات التي تجري عليها؟ وما مصدر تلك الثروات التي نستفيد بها من ماء ومعادن ونباتات وغيرها الكثير؟
  • وما حقيقة السماء من فوقنا؟ ما حدودها؟ وما علاقة مكوناتها بعضها ببعض؟ وما هي تلك المكونات؟ وما أبعادها؟ وما هو مصدر الحرارة والمياه التي تنزل علينا من السماء؟
  • وما هو الكون؟ وكيف نشأ؟ وما أبعاد ذلك الكون وما حدوده؟ وما هي القوى التي تُسَيِّرْ هذا الكون الكبير -المحكم الذي يوحي لنا بمعان كثيرة من الجمال والدقة والترابط-؟

وبعد..

فهذه أيها القارئ الكريم هي بعض الأسئلة التي قد تدور في أذهاننا عن الكون من حولنا.

من هنا تأتي أهمية مجموعة المقالات التي تستضيفنا فيها جريدتنا الغراء “وضوح” حول مفهوم الكون الكبير، وهي مقالات تعرض بإيجاز نتائج بحث كبير بدأ منذ ستة سنوات عن مفهوم الكون، ولا أقول أن ذلك البحث قد تم، بل هذه المقالات ليست إلا وصفا مبدئيا لبعض المعاني والنتائج حول مفهوم الكون الكبير، فالبحث كبير وجريء وممتع وجميل وعميق ومتشابك، فاللهم احلل عقدة من لساني ليكون كلامي واضحا وليس غامضا بقدر ما أستطيع، فلا سهل إلا ما جعلته سهلا يا كريم.

الكون الكبير:

تجمعت لدى علماء الفلك والكونيات في عصرنا الحاضر معلومات حول مكونات الكون المدرك –الذي يمكن دراسته بواسطة أجهزة الرصد والتليسكوبات-، فالأرض التي نعيش عليها هي كرة من الصخور معلقة في الفضاء وزنها 6000 مليار مليار طن، ويبلغ محيطها 43000 كم، ونصف قطرها 6750 كم، ولا يكاد يصل وزن جميع البشر الذين يعيشون عليها إلى سبعة أجزاء من مائة مليون جزء من وزن أمنا الأرض العظيمة.

أما الشمس مصدر الدفء والحرارة والطاقة على الأرض، فهي أكبر حجما من الكرة الأرضية بمقدار مليون و300 ألف مرة، وتبعد عن الأرض 150 مليون كيلومتر، وتتجاوز درجة حرارة سطحها 5500 درجة مئوية، وباطنها تزيد حرارته عن 15 مليون درجة مئوية، ويدور حولها إحدى عشر كوكبا ثالثها الأرض التي نعيش عليها، … والشمس ليست أكبر شيء في الوجود، بل هناك نجوم لا تصل شمسنا إلى جزء من مليون منها، والنجوم ليست أكبر شيء أيضا.

تتجمع مليارات أو تريليونات النجوم في أقراص متعددة الأشكال والأحجام تسمى المجرات، ومن تلك المجرات تأتي مجرة درب التبانة التي نسكن فيها، وهي مجرة قرصية ذات أذرع لولبية يصل قطرها إلى 100 ألف سنة ضوئية (السنة الضوئية وحدة لقياس المسافات الكونية الهائلة وهي عبارة عن المسافة التي يقطعها الضوء في سنة -365 يوم أرضي- بسرعته التي تصل إلى 300 ألف كيلومتر في الثانية)، وقرص مجرة التبانة يبلغ سمك كتلته المركزية 10 آلاف سنة ضوئية، وهي بدورها ليست أكبر شيء في الكون…. بل تتجمع مجموعة من المجرات في صورة مجموعات محلية، وتتجمع مئات الآلاف من المجرات في صورة عناقيد مجرية عملاقة، والكون المدرك يضم 10 مليون عنقودا ساحرا من هذه العناقيد العملاقة…. فالكون المدرك يضم حوالي 200 ألف مليون مجرة…. وبالتالي يكون عنقودنا جسم صغير داخل الكون المدرك، وتكون مجرتنا نقطة صغيرة فيه، وتكون شمسنا إحدى ذرات المجرة، وتكون أرضنا كالإلكترون الذي يدور حول نواته المحلية وهي الشمس…. ولا تسألني أخي الكريم عني ولا عنك… فنحن ليس لنا وزن في هذا الكون الهائل، لكن وزن كل منا عند الله كبير بعمله الصالح الذي يتقرب به إلى الله عز وجل.

يقف علم البشر أيها القارئ الكريم عند حدود الكون المدرك، فالكون المدرك يمكن القول أنه كرة هائلة الاتساع يصل نصف قطرها إلى 13.6 ألف مليون سنة ضوئية (أي إذا صدر ضوء من حدود الكون المدرك الخارجية فإنه سوف يصل إلينا على الكرة الأرضية بعد أكثر من 13.6 ألف مليون سنة)، ويريد المولى عز وجل خالق ذلك الكون الكبير أن يؤكد لنا على عظمته سبحانه وتعالى وعلى ضعفنا أمام ذلك الخلق العظيم، وتأتي بعد ذلك السماء الأولى بسمك يناظر نصف قطر الكون المدرك، وتتوالى السماوات السبع فوقها بنفس السمك، وبين كل سماء والتي تليها مسافة مشابهة أيضا… ونحن البشر لا نعرف من ذلك كله إلا النصف السفلي من السماء الأولى أو السماء الدنيا.

ولا ينتهي الكون الكبير عند حدود السماوات السبع، بل تنص النصوص الشرعية على أن العرش من جملة الكون، والعرش تبلغ المسافة من أعلاه إلى الأرض السابعة السفلى ما يناظر مائة مرة قدر نصف قطر الكون المدرك (وذلك وفق النصوص الشرعية التي سيتم مناقشتها ضمن المقالات التالية)، من هنا نرى أيها القارئ الكريم أن الكون المدرك على ضخامته ليس إلى جزءا ضئيلا من الكون الكبير الذي لا يعلم حقيقته إلا الله الخالق العظيم لذلك الكون الكبير.

هذه المقالات:

يرجو كاتب هذه السطور أن تتيح لنا إدارة الجريدة الفرصة لمقال إسبوعي حول مفهوم الكون الكبير حتى نتمكن من عرض الأفكار المرتبطة بذلك المفهوم العظيم، وهذه المقالات يمكن أن تتجاوز الثلاثين بمشيئة الله عز وجل، ويمكن تقسيمها إلى المجموعات التالية:

  • المقال الأول عن الكون المدرك وأبعاده وبعض مكوناته.
  • مجموعة مقالات حول حالة التفكر عن مفهوم الكون، وتتضمن قصتي مع مفهوم الكون، ونماذج بنية السماوات السبع والأرضين السبع، وبعض الكنوز التراثية حول بنية الكون، وتختتم بمقال عن مميزات مفهوم الكون ضمن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
  • مجموعة مقالات عن مفهوم الكون الكبير، وتتناول المعنى الفلكي للسماوات، وأبعاد الكون وفق النصوص الشرعية، ومقارنة حجوم مكونات الكون الكبير وفق وحدة المسافات الكونية المقترحة ووحدة الحجوم الكونية المقترحة، وتعرض بعض المقالات لمكونات الكون الكبير التي تتضمن: العرش والكرسي واللوح المحفوظ والسماوات السبع والأرضين السبع وفق النصوص الشرعية، كما يعرض أحد المقالات لنتائج البحث القرآني للمؤلف عن السماوات والأرضين.
  • مجموعة مقالات حول خلق الكون: وهل تصلح نظرية الانفجار العظيم لوصف آلية خلق الكون؟ أم نختار البناء العظيم لوصف ذلك البناء العظيم؟ وتعرض المقالات لمناقشة نظريات الاوتار الفائقة، ثم تتناول وضع إطار للتفكر حول خلق الكون، وذلك بمراجعة المسلمات في هذا المجال، وتحديد المقصود بمفردات مكونات الكون، ومن ثم مناقشة رؤية الكاتب عن البناء العظيم لعرض قصة خلق الكون الكبير.
  • مجموعة مقالات تتناول حوارا بين اثنين من العلماء حول الاختيار بين نظرية الانفجار العظيم ورؤية البناء العظيم، ويتناول الحوار مناقشة مقولات بارزة تؤيد الانفجار، وأخرى تؤيد البناء، كما يتناول مناقشة نقاط حول مفهوم الزمن وخلق الكون، وكذلك حول مادة بناء الكون.
  • مجموعة مقالات حول مفهوم الزمن وخلق الكون، وتعرض هذه المقالات استنتاج علاقة توافق بين العلوم المادية والنصوص الشرعية فيما يخص أيام خلق الكون، وتتناول طريقة (الأستاذ/ كزابر) لتفسير ترتيب أيام خلق السماوات والأرضين، وذلك مع استكمال هذه الأفكار المبتكرة بوجهة نظر الكاتب حول بقية القصة.
  • مجموعة مقالات حول مفهوم السماء، مع توضيح كيف أن لفظ السماء أشمل من لفظ السماوات، وتتضمن المقالات نتائج البحث القرآني حول لفظ السماء وأهميتها وبعض شؤونها في الدنيا والآخرة.
  • وختاما مجموعة من المقالات حول الكرة الأرضية توضح استخدامات لفظة الأرض في القرآن الكريم المتعددة، مع توضيح الاختلاف بين الكرة الأرضية وبين الأرضين السبع.

وختاما نسأل الله أن يستعملنا في توضيح مفهوم الكون الكبير للبشر جميعا، فهذا المفهوم يعتبر من موضوعات التراث البشري الذي يتطلب تأسيس لجان علمية وشرعية لاستكماله وتوضيحه لبني الإنسان، هذا وبالله التوفيق وعليه التوكلان.

د.سعد كامل
أستاذ مشارك في الجيولوجيا
الإسكندرية – مصر
saadkma2005@yahoo.com

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.