الصراط المستقيم

السيرة النبوية ( 1 ) .. دراسة السيرة في سياق الرسالة الالهية

 بقلم : الدكتور محمد النجار

     كثيرون الذين كتبوا السيرة النبوية كوقائع تاريخية مليئة بالقصص والاحداث . وأخرون تناولوا حياة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم  بالتحليل على أنها عبقرية انسانية ، ومهارات  قيادية متميزة  حتى كتب احدهم كتاب (العظماء مائة وأولهم محمد) وادرج شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في المرتبة الاولى متقدما على شخصية المسيح عليه السلام .

      لكن عندما ندرس السيرة النبوية  فإننا ندرسها في سياق الرسالة الالهية التي اختار الله لها النبي صلى الله عليه ليستقبل  وحي السماء هداية للبشرية اجمعين  وأن  طبيعة دور النبي صلى الله عليه وسلم انه رسول  مُؤيد  بالوحي من الله سبحانه وتعالى (( وماينطق عن الهوى ،إن هو إلا وحي يوحى ).وأن عظمة رسول الله ثمرة من ثمار نبوته قبل ان تكون عظمة انسانية ، وان ما قام به من  اعمال وفتوحات كانت من اوامر الله سبحانه وتعالى له.

     ولقد استُنبطت من دراسة السيرة النبوية واحداثها قواعد الدين الاسلامي ، منها ما يتعلق بالاعتقاد واليقين ، ومنها ما يتعلق بالتشريع والمعاملات.

       كما إن دراسة السيرة النبوية  ضرورية  لفهم دين الاسلام فهما علميا نظريا وعمليا على منهاج النبوة..

   وقد بذل أعداء الاسلام جهودا كبيرة في عزل ابناء الامة الاسلامية عن دراسة  دينها وكتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ،كما كانت محاولات مضنية لتشويه السيرة النبوية وتوجيهاتها  والتسلل الى الشباب المسلم الذي  يشعر بالإحباط والتخلف والضعف تجاه  نهضة الغرب العلمية والحضارية والفكرية ، وإيهامهم بأن سبب نهوض الغرب يكمن في تحرره من  ثوابت الدين وأخلاقه ، بل يكمن ايضا في اخضاع الدين لمقاييس العلم ، وان الدين شيء  والعلم شيء اخر. 

     واذا كان المسلمون حريصين على التخلص من التخلف والالتحاق بركب الحضارة فعليهم المسير في نفس مسار الغرب واستبعاد  الدين من الحياة  وحصره في المساجد و العبادات فقط ، مع التخلص  من سائر الغيبيات التي لاتخضع لمقاييس العلم الحديث مما يدخل في باب المعجزات  والخوارق التي هي اصلا من معجزات الله لدينه ورسوله، والاتجاه بالمسلم بعيدا عن منهاج النبوة والوحي والرسالة ..

لذا نؤكد على ان دراستنا للسيرة النبوية تقوم على اساس دراسة  السيرة كاملة كما عاشها النبي صلى الله عليه وسلم ومُوحى اليه من ربه في كل حياته ، وليست كما يريدها الغربيون على انه  مجرد تاريخ رجل عظيم منفصل عن وحي السماء ..

وتكمن اهمية دراسة السيرة النبوية فيما يلي :

1.  دراسة شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وتفصيلاتها التي عاشها للتأكد من أنه لم يكن مجرد شخصية عظيمة او عبقرية فقط ،بل رسول الله مؤيد بالوحي من الله.

2.   دراسة حياته صلى الله عليه وسلم العملية حتى يمكن الاقتداء به ، والتحقق فعليا  من امكانية تطبيق الانسان المسلم لكل اوامر دينه ونواهيه  تطبيقا عمليا سهلا  وليس مستحيلا حيث طبقها رسول الله صلى الله عليه تطبيقا عمليا في بيته وعمله وحياته  وكافة معاملاته  .

3.  امكانية تعليم اساليب التربية من واقع دراسة السيرة النبوية  والاستفادة منها في التعامل مع اسرته وابناءه وسائر المجتمع.

4.  الاستفادة من دراسة السيرة النبوية في فهم القرآن الكريم ومقاصده.

5.  الوقوف على عظمة الدين الاسلامي وتعاليمه ونموذجه الحضاري الذي  غير مجرى التاريخ في مدة قصيرة لاتتجاوز ثلاثة وعشرين عاما.

عصر الجاهلية :

مرت فترة طويلة غاب فيها النور والعلم ، وخفتت الاصوات الايمانية بعد المسيح عليه السلام ،وانطفأت المصابيح التي اوقدها انبياء الله ورسله.

قال القرطبي :  كان بين ميلاد عيسى والنبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وتسع وتسعون سنة .” تفسير القرطبي ” ( 6 / 121 ) . قال ابن حجر : وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من ألفي سنة ومدة النصارى من ذلك ستمائة .” فتح الباري ” ( 4 / 449( .

واصبحت الديانات العظمى فريسة للمتلاعبين والمُحَرِفين والمنافقين ولو بُعث أوائلها لأنكروها من شدة ماجرى عليها من تحريف ..واصبحت تعاليم تلك الديانات عبارة عن ركام دُفنت تحته تعاليم المسيح واختفى نور التوحيد وانطفأت انوار الهداية الالهية .

اما المجوس فقد اعتكفوا على عبادة النار في هياكلهم لكنهم خارج تلك الهياكل احرار يفعلون كل الوان المنكر.

وأما العرب فقد انتقلت اليهم الوثنية وعبادة الاصنام ، وكان لكل قبيلة او مدينة صنم خاص بها وكان داخل الكعبة  (360) صنم يُعبد من دون الله ، كما ساءت اخلاق العرب  من شرب للخمر ووأد للبنات وقطع الطريق وشن الحروب التي تشتعل سنوات ويُقتل فيها الاف على أتفه الاسباب ،وصدق الله العظيم (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)سورة الروم41

لماذا بُعث النبي في جزيرة العرب ؟؟

وماهو سر اختيار الجزيرة العربية مهداً لنشأة الاسلام؟؟

هذا ماسنبدأ به  في الحلقة الثانية بإذن الله

د.محمد أحمد النجار
المدينة المنورة

 

  د.محمد النجار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.