الصراط المستقيم

السيرة النبوية (29) أسماء تغضب من عمر وتشكوه للنبي

بقلم : الدكتور محمد النجار

ذكرنا في الحلقة (28) الانقلاب العسكري الذي حدث ضد  النجاشي، ثم وفاته وصلاة النبي الجنازة “صلاة غائب عليه “.. واترككم مع الحلقة (29) مع محاولات تنصير الصحابة في الحبشة ،وارتداد عبيدالله بن جحش ووفاته على النصرانية ،ودور الرئيس او الملك في المحافظة على دين شعبه  واحداث اخرى ..

أذى البطارقة للمهاجرين المسلمين  في الحبشة :

رغم تبني النجاشي للمسلمين واعطاءهم الامان إلا ان اقامتهم في الحبشة لم تكن هادئة بشكل كامل بسبب ايذاء البطارقة  أمثال هؤلاء الذين قبلوا  الرشوة من  مندوبي قريش المتمثلة في الهدايا الفخمة والضخمة واجتماعهم معه وقبولهم عرض قريش في دعمهم عند النجاشي والدفاع عن وجهة نظرهم والايعاذ الى  النجاشي بصحة اقوال وفد قريش وما نسبوه من اتهامات ضد المهاجرين وضرورة تسليمهم  لقريش  , ونوضح ذلك فيما يلي :

  1. حاول البطارقة اقناع النجاشي بوجوب ردهم (أي المهاجرين)، وإبعادهم عن بلاده، ووجدوا بقدوم عمرو وعبدالله فرصة ثمينةً تريحهم من هؤلاء الضيوف الذين يدينون بغير دينهم. ولما كان النجاشي كما علمت قد أسلم وكتم اسلامه عن اصحابه ، وكان في قدرته أن يرد وفد قريش بدون أن يسمع حجة المهاجرين، ولكنه أراد أن يُسْمِعَ أصحابه دعوة الاسلام ، رغبةً منه في أن تلين قلوب بعضهم إليه .
  2. في كتاب الاسلام في الحبشة : فأقام المسلمون في جواره رغم إرادة البطارقة، حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم فعادوا الى المدينة ، فتكون مدة اقامتهم بأرض الحبشة نحو 16 سنة ، وذلك سنة (8)هجرية الموافق لسنة (629)ميلادي .
  3. كان البطارقة يحرضون المسلمين والمسلمات على دخول كنائسهم ليحملوهم على اعتناق النصرانية ، وكان نتيجة ذلك ارتداد أحد المسلمين الذين هاجروا الى الحبشة قادما من مكة ” عبيد الله بن جحش ” وسنذكر قصته في السطور التالية.

فهل يوجد أذى اكبر من هذا الاذى للمسلمين ، أليس هذا الأذى  من نوع الاذى الذي هاجروا  من مكة بسببه   ؟

  1. مدى الخوف والرعب الذي دب في قلوب المهاجرين عندما رأوا عمرو بن العاص وصاحبه وقد أتيا لأخذهم واعادتهم الى مكة خاصة وان البطارقة كانوا  يؤيدونهما لدى النجاشي لتسليمهم الى مشركي مكة ليذيقونهم أشد انواع العذاب .

أسماء تغضب من عمر بن الخطاب وتشكوه للنبي

  1. كشفت السيدة الجليلة ” اسماء بنت عميس ” رضي الله عنها “زوجة جعفر بن ابي طالب”  التي كانت معه في الحبشة ،كشفت ما كان يلحق المهاجرين من الأذى والتخويف في الحبشة ..،

وقد أثبته صاحب ” التاج ” من حديث أبي موسى – رضي الله عنه – نقلا عن البخاري  ومسلم قال :

إن أسماء بنت عميس حين جاءت من الحبشة ، دخلت على السيدة ” حفصة ” أم المؤمنين (بنت عمر  بن الخطاب) رضي الله عنهما  تزورها ، فدخل عمر بن الخطاب فقال : من هذه ؟؟

قالت حفصة : أسماء بنت عميس .

قال عمر : الحبشية هذه !!  البحرية هذه !!  (أي التي ركبت البحر وهاجرت الى الحبشة ).

قالت أسماء : نعم

فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ( أي بالهجرة الى المدينة مع رسول الله ) فنحن  أحق  برسول الله منكم !!.

فغضبت أسماء ، وقالت : كذبت يا عمر !! كلا ، والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يُطعم جائَعكم ، وَيَعِظُ جاهلَكم ، وكنا في ارض البعداء البغضاء (أي البعداء في النسب ، البغضاء في الدين) في الحبشة  ، وذلك في الله ورسوله.

ثم أقسمت بالله قائلة : وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر  ما قلتَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن كنا نُؤذى ونخاف ، وسأذكر ذلك لرسول الله واسأله ، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ، ولا أزيد على ذلك.

أصحاب السفينة (هجرة الحبشة) لهم اجر هجرتين :

فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا نبي الله ، إن عمر قال كذا وكذا …

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

” ليس بأ حق  بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم انتم أهل السفينة هجرتان  ”   .

وبالتدقيق لكلماتها تتبين المعاناة الرهيبة التي كانت تعانيها تلك الصحابية الجليلة  وكل المهاجرين في الحبشة:

1)     قالت (( كنا نؤذى ونخاف )) وأقسمت على صدقها ، وهي ليست امرأة  غير معروفة بل هي زوجة أمير المهاجرين في الحبشة “جفر بن ابي طالب “، والمتحدث الرسمي باسم المهاجرين لدى رأس الدولة “النجاشي”

2)     كيف عدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرتهم الى الحبشة هجرة مستقلة لهم ثوابها ، وهجرتهم بعد ذلك الى المدينة هجرة ثانية !!!.

وما ذاك إلا لما كان يلحقهم في الحبشة من أذى البطارقة واصحابهم.

ومع ذلك لم ينشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نالهم من بطارقة الحبشة من الأذى والتهديد والتخويف وذلك إكراما  للملك النجاشي الذي أحسن جوارهم وأكرم وفادتهم.

إن اقامة الصحابة الطاهرين – رضوان الله عليهم – في الحبشة في هجرتهم كانت محفوفة بالمكاره.

ولولا ((النجاشي أصحمة )) وقوة سلطانه لأُكرهوا على الدخول في النصرانية أو القتل، أو أُعيدوا الى “مكة” لكفار قريش يفعلون بهم ما يشاءون.

ورغم إكرام النجاشي أصحمة للمسلمين إلا أن البطارقة كانوا شديدي التعصب لدينهم، فعزَّ عليهم أن تقام في مدينتهم المسيحية شعائر دين آخر   ، فأخذوا يهددون المهاجرين ويحرضونهم على التنصر ، فثبت الله المسلمين على ايمانهم   .

((وايم الحق لولا “النجاشي المسلم”  ما استطاعوا أن يعيشوا في الحبشة يوما واحداً    )) .

إرتداد عبيد الله بن جحش ودخوله  النصرانية :

ثبت المسلمون في الحبشة على دينهم رغم تهديدات البطارقة إلا واحدا ، وهو  “عبيدالله بن جحش” .

قالت أم حبيبة زوجة عبيدالله بن جحش :

رأيت في النوم عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة أشوهه، ففزعت ، فقلت تغيرت والله حاله ، فإذا هو يقول حيث أصبح : ياأم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أر دينا خيرا من النصرانية ، وكنت دنت بها ، ثم دخلت في دين محمد  ثم قد رجعت الى النصرانية. فقلت : والله ما خير لك وأخبرته بالرؤيا التي رأيت له ، فلم يحفل بها ، وأكب على الخمر حتى مات .

وأورد  ابن كثير أنه كان يعير المسلمين فيقول لهم : أبصرنا وصأصأتم  (( صأصأ : كاد يفتح عينيه )) .

فإن ارتداد عبيد الله بن جحش يرجع  لضعف اسلامه ارتدَّ تحت عوامل الضغط ، ودخل في النصرانية، فلما تنصَّرَ كلفه البطارقة بأن يحرِّض المسلمين على التنصر ، فكان إذا مرَّ بالمسلمين من اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (( فتَّحنا .. وصأصأتم)) أي أبصرنا  وأنتم تلتمسون البصر   .

فهال النجاشي هذا الأمر ، وأحاط المهاجرين بسور من عنايته، ومنع البطارقة من التعرض لهم .

زاد ضغط البطارقة على المسلمين عقب ردة ” عبيد الله بن جحش” الذي حرضه البطارقة ضد المسلمين لتنصيرهم ، مما أثار حفيظة النجاشي ” أصحمة” فثار ضد البطارقة ومنعهم من التعرض للمسلمين . فثار البطارقة عليه وكادوا  يخلعونه ،  ولولا  أن الله نصره عليهم لأفسدوا عليه أمره  .

دور الحاكم في حماية الدين أو تهميشه:

لم يكن النجاشي مسلما في وسط دولة مسلمة أو برلمان مسلم ، وانما كان وحيدا  في وسط بطارقة نصارى يحيطون به ، واراد ان يُظهر لهم سماحة وسمو الدين الاسلامي لعل قلوبهم تلين لهذا الدين ، ولم يتحقق له ما أراد . وهذا يوضح لنا الدور العظيم الذي قام به النجاشي في حماية اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف البطارقة، وكما ورد في كتب السيرة نخير البطارقة ( أي شخيرهم في سوء أدب)ضد النجاشي عند اعترافه بالدين الاسلامي ، ورده عليهم قائلا (ولو نخرتم).

وهذ يبين مدى أهمية دور رئيس الدولة   في  المحافظة على دينها وهويتها  ومقدساتها ، وتأثيره   في حماية ابناء جلدته دون ظلم للمختلفين معه في السياسة او الدين. كما كان  النجاشي عاقلا حريصا على عرض الاسلام على البطارقة دون اجبارهم على الدخول فيه بل هم الذين دبروا له الانقلاب الفاشل ضده.

حقا …. كان النجاشي أصحمة المؤمن الحقيقي رجلا واحدا  لكنه يساوي أمةكاملة

شعر عبدالله بن الحارث في الهجرة إلى الحبشة

فرح المهاجرون الغرباء الى الحبشة بما وردهم من اسلام  بعض كبراء مكة  ، فاشتاقت نفوسهم  الى وطنهم وعشيرتهم في مكة المكرمة ، ولا غرابة في الحنين الى الوطن وهو فطرة  ، فطر الله عليها جميع المخلوقات ، ورغبت قلوبهم في العودة الى الوطن العزيز ، فمكة أم القرى ، وفيها البيت الله الحرام ، والحنين لعشائرهم وديارهم ..

فأنشد  عبدالله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم وهو في الحبشة تلك الأبيات :

يا راكبا بلغن عني مغلغلة  …… من كان يرجو بلاغ الله والدينِ

كل امرىء من عباد الله مضطهد ……. ببطن مكة مقهور ومفتون

أنا وجدنا بلاد الله واسعة ……… تنجي من الذل والمخزاة والهون

فلا تقيموا على ذل الحياة وخزي .. في الممات وعيب غير مأمون

إنا تبعنا رسول الله واطَّرحوا……. قول النبي وعالوا في الموازين ‏

فاجعل عذابك بالقوم الذين بغوا……. وعائذا بك ان يعلوا فيُطغوني

دروس وعظات من الهجرة الى الحبشة :

  1. إن مصدر القوة الحقيقية للإنسان هو الدين الذي يجب ان يستمسك به المسلم ،وهو الحصن الذي به يتم حفظ الانسان وحفظ عرضه وارضه وحريته وكرامته .

( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم ( 43 ) وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون )سورة الزخرف44

  1. يجب ان يرسخ في قلب وعقل المسلم أن الوطن والارض والمال والحياة  كلها وسائل لحفظ العقيدة ، فإذا تتطلب الأمر بذلها جميعا في سبيل حفظ الدين والعقيدة ، فلا يبخل بالتضحية بها .

ذلك ان الانسان لو فقد دينه وعقيدته فإن الوطن والمال وكل مافي الارض لن يغني شيئا، بل سرعان ما يذهب كل ذلك   من ورائه.

ونرى في حياة الشعوب ، أن الشعب الذي يفقد دينه ، تبعه فقدان وطنه وارضه وعرضه ، وان الشعب الذي تمسك بعقيدته حتى لو كان فقيرا ، أغناه الله نتيجة اخلاص حكامه وصدقهم وامانتهم والاستقرار الناتج عن هذا كله يكسبه ثقة الشعوب والحكومات الاخرى ، فتتدفق عليهم الاستثمارات والاموال وتنتقل اليهم الصناعات  ويسودها الرخاء الأمني والاقتصادي والاجتماعي .

((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )) سورة الاعراف 96

واذا كانت الأمة   فقيرة في خُلقها ، مضطربة في عقيدتها ، تائهة في نظمها ومبادئها فإن سلطانها المادي يصبح أقرب للزوال والاضمحلال ، ولهذا شَرَّعَ الاسلام مبدأ الهجرة، وأشار النبي صلى عليه وسلم على صحابته بالهجرة والخروج من الوطن والايواء الى مكان آمن لهم على عقيدتهم واعراضهم وانفسهم    .

  1. الاخذ بالاسباب عبادة لله : الأخذ بسنة الاسباب ،والاسباب جمع سبب: وهو كل شئ يتم به التوصل الى غيره،والله تعالى خلق الكون واودع فيه قوانين تضمن استقراره واستمراره وجعل المسببات مرتبطة بالاسباب بعد ارادة الله تعالى، وقد وجه الله عباده المؤمنين الى وجوب مراعاة هذه السنة في شؤونهم الدنيوية والأخروية على السواء ، قال الله تعالى:

((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُهُ والمؤمنون،وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)) التوبة105

وقال :  ((هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)) الملك15

وطلب الله سبحانه وتعالى من مريم ان تباشر الاسباب وهي في اشد حالات ضعفها، قال الله تعالى :

((وهزي اليك بجذع النخلة تُساقط  عليك رطبا جنيا ))مريم25

وهكذا يؤكد الله تعالى على ضرورة مباشرة الاسباب في كل الامور والاحوال.

لا تعارض بين التوكل على الله وبين اتخاذ الاسباب :

      الحديث الاول :

يروي انس بن مالك رضي الله عنه : أن رجلا وقف بناقته على باب المسجد،وهمَّ بالدخول، فقال : يارسول الله .. أرسلُ راحلتي ، وأتوكل؟ وكأن هذا الرجل فهم ان تعارضا يكون بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله !!

فوجهه النبي صلى الله عليه وسلم الى ان الاهتمام بالاسباب والأخذ بها أمر مطلوب، ولا يتعارض مع التوكل على الله بأي حال من الاحوال ..

فقال له : ((اعقلها وتوكل)) رواه الترمذي2517 ، وبلفظ ((بل قيدها وتوكل))رواه الحاكم 3-623 ومجمع الزوائد 10-291

      الحديث الثاني :

روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((لو أنكم توكلتم على الله حقَّ توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خِماصا وتروح بِطانا )) رواه احمد والترمذي وابن ماجه وابو يعلى والحاكم .

الجزء الثاني من حلقة (29)

نظرة الاسلام في اتخاذ الأسباب والتوكل علي الله

1)ينظر الشرع  الاسلامي الى عدم الاخذ  بالاسباب  على أنه تعطيل لشرع الله ، وتعطيل لمصالح الدنيا

2)الاعتماد على الاسباب وحدها دون التوكل على الله هو شرك.

3)قد يأخذ الانسان بالأسباب لكن لا تتحقق المصلحة او العمل المطلوب ، لأن تحقيق العمل المطلوب مرهون بمشيئة الله.

وقد طلب الله من الامة حتى تصل الى مرحلة التفوق والتمكين في الارض ان تأخذ بالأسباب، وانه لم يطلب منهم فوق ما لا يستطيعون من الاسباب بل طلب منهم بذل اقصى ما يستطيعون حسب قول الله تعالى :

((واعدوا لهم ما استطعتم من قوة  ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ، وآخرين منهم لا تعلمونهم ، الله يعلمهم ،وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف اليكم وانتم لا تُظلمون))الانفال

الله سبحانه وتعالى ..  يقول للمؤمنين : افعلوا اقصى ما تستطيعون، حتى لو كانت اقل من امكانيات عدوكم ، احشدوا اقصى قدراتكم واستعدادكم حتى لو كانت اقل من قدرات اعدائكم

4.الاذى الذي ينزل بالمؤمنين والتضييق النفسي والاقتصادي والاجتماعي دليل على ثبات المؤمنين واخلاصهم لله في عقيدتهم

5.فطنة  وذكاء المتحدث باسم الدعوة سبيل للنجاة والفوز .. واتضح ذلك في جعفر بن ابي طالب ومهارته وتوظيف ذكاءه في الحوار الذي دار في مجلس النجاشي وحضور الرد على كل الاسئلة التي كانت تمثل ردا إعلاميا  وسياسيا  ودعويا ، وتحول المجلس من رد على اتهامات ضد المهاجرين الى دعوة الى الاسلام وشرح  لعقيدة التوحيد التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم حتى أبكى النجاشي وبعض اساقفته وكانت بداية لدخول النجاشي في الاسلام، وانهزام وفد قريش إعلاميا  وسياسيا وخسرانهم ثقة النجاشي الذي طردهم من مجلسه واعطاء ثقته وأمانه لجعفر ابن ابي طالب واخوانه للمهاجرين .

6.توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لقيادات المسلمين لضرورة التخطيط الاستراتيجي لحماية الدعوة والدعاة ، فالدعاة هم جنود الدعوة والثروة الحقيقية لدفع المجتمع الاسلامي الى الامام ، وينبغي على قائد المسلمين المحافظة على وطنه وايجاد قواعد احتياطية للدعوة تكون بمثابة عواصم بديلة في حال التعرض لخطر الاجتياح .

7.تحقيق الهدف الاعلامي  للدعوة الاسلامية ، حيث كان ضمن الاهداف من هجرة المؤمنين الى الحبشة عرض الاسلام على النجاشي واعوانه والشعب الحبشي بشكل عام ، كما فعل جعفر ابن ابي طالب في عرض الاسلام على النجاشي ثم عرض عليه عدالة قضية هؤلاء المهاجرين .

8.مشاركة القائد في جميع هموم الوطن والمخاطر التي يتعرض لها ،وهذا كان واضحا في تواجد ((رقية )) ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن المهاجرين الى الحبشة ، ومعها زوجها عثمان بن عفان.

  1. يجوز للمسلم الهجرة والخروج من الوطن فرارا بالدين ، حتى لو كان الخروج من مكة المكرمة  مهبط الوحي الى ديار غير اسلامية تكون  آمنة ,  فقد خرج المهاجرون من مكة وهي مهبط الوحي الى الحبشة وهم  نصارى غير مسلمين ، بل يقولون أن عيسى ابن الله.

ويسري هذا الحكم الى يوم الدين ، لمن اوذي في الله ورأى أن صوت الباطل اصبح عاليا على صوت الحق ، وان الحق اصبح مقهورا في ديار المسلمين ، فيحق له الهجرة من ديار الاسلام الظالمة الى دول الكفر العادلة التي اصبحت اكثر عدلا  وسماحة  مع المسلمين  المضطهدين في بلادهم الاسلامية .

10.يجوز دخول المسلمين في حماية غير المسلمين ، اذا اقتضت الضرورة لذلك ، وسواء كان المجير نصرانيا أو مشركا،لكن هذا بشرط عدم المساس بعقيدة المسلمين. ودليل ذلك رفض النبي صلى الله عليه وسلم موقف ابي طالب حينما طلب من النبي ان يُبقي على نفسه ولا يحمله مالا يطيق من اذى المشركين ، فرفض  النبي صلى الله عليه وسلم ، ورفض تلك المساومة  من هؤلاء المشركين  .

11.الشعور بأهمية  الحس الأمني خوفا على الدعوة والدعا ة ،  وقد شعر الصحابة  بأهمية الحس الامني مبكرا التكتم في عند خروجهم متسللين  من مكة الى الميناء الذي يغادرون منه الى الحبشة ، ولم يتمكن المشركون من ملاحقتهم

12.أهمية مبدأ الشوري في حياة المسلمين ، وقد ظهر مبدأ الشوري بين الصحابة عندما استدعاهم النجاشي ، فتشاور الصحابة واجمعوا على رأي واحد  في عرض الاسلام بعزة  في مجلس النجاشي كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم دون خوف او تردد مهما كلفهم ذلك.

وهذا  ترسيخ لمبدأ الشورى بين المسلمين حتى في أصعب الظروف والشدائد.

13.طبيعة العلاقة بين ماجاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم و ماجاء به عيسى عليه السلام ، وانهما من مصدر واحد هو الله تعالى ، كما قال النجاشي على مرأى ومسمع من بطارقته وعلماء النصرانية حوله : ”  إن هذا والذي جاء به عيسى بن مريم ليخرج من مشكاة واحدة ” .

  1. إخفاء بعض النصارى دينهم الصحيح  ، وعقيدتهم السليمة خوفا من  اصحاب العقيدة المنحرفة والذين لهم الغلبة في بلادههم.

ودليل ذلك اسلام النجاشي واخفاء ذلك عن  قومة خشية على نفسه وملكه، لكنه كشف عن ذلك عند المواجهة بين وفد كفار قريش ووفد المسلمين،وأظهر انحيازه الكامل للمسلمين بقناعة كاملة بالاسلام.

وربما كان ذلك سبب الانقلاب الذي حدث ضده والذي أنجاه الله منه بسبب ايمانه بالله وعقيدته الصحيحة .

15.مواساة النبي لأصحابه في احداثهم الشخصية في غربتهم بالحبشة ، ومواساتهم في مصابهم ، وتطييب خواطرهم مثلما ما حدث مع أم حبيبة .. فقد ارتد زوجها (عبيد  الله بن جحش) في الحبشة ومات ، فطلبها النبي صلى الله عليه وسلم من النجاشي الذي امهرها 400دينار وجهزها وارسلها الى النبي صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة،وفعل ذلك ايضا مع السيدة سودة بنت زمعة  رضي الله عنها .

16.اظهار النجاشي الولاء للمؤمنين وقت الشدة والحرص على عدم تعريضهم للخطر نتيجة موقفهم معه ، مثلما حدث مع النجاشي عند الانقلاب عليه من الاحباش، حيث قام بتأمين السفن التي تحمل المهاجرين الى مكان بعيد بشكل احتياطي  تجنبا لمخاطر الانتقام منهم في حال انكساره وفوز الانقلابيين  .

17.اسلام صحابي على يد النجاشي  :

من بشائر الخير التي تأتي في ظل الأزمات أن يتحول رأس الخصم من عدو يحشد كل طاقاته للقضاء على المسلمين واسلامهم ، يتحول الى مسلم يدافع  عن الاسلام ويدعو الى الايمان به مثلما حدث مع رئيس وفد قريش عمرو بن العاص الذي كان مشركا ارسلته قريش ضد المسلمين ، فيتحول الى مسلم على يد النجاشي نفسه ،فيكون أول مشرك أسلم على يد الملك النجاشي .

((فتح الله قلب عمرو بن العاص على يد النجاشي بارض الحبشة ،وهذه من آثار الهجرة الى الحبشة   )).

18.اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب دون مجاملة أو رشوة  أو أي فساد مالي وأخلاقي ، فقد تم اختيار جعفر بن ابي طالب اميرا للمسلمين في تلك الظروف الصعبة وفي بلاد الغربة  للأسباب التالية :

1)تربية جعفر بن ابي طالب مع النبي في بيت واحد(بيت ابي طالب) وبحكم نشأته والتصاقه برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو الجندي الاقرب من القائد وأعلم بصفاته وأقدر على تفهم توجيهاته لصالح الأمة .

ولم يتم اختياره لأنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما تم اختياره لهذه الصفات.

2)فصاحة وبلاغة جعفر بن ابي طالب الذي سيواجه داهية العرب عمرو بن العاص في مجلس النجاشي  الذي سيكون فاصلا في الحكم على موقف المسلمين ودينهم ومصير وجودهم ودعوتهم  في الحبشة.

3)خُلُقُ جعفر المقتبس من مشكاة النبوة ، وجمال خَلْقِهِ المنحدر من أصلاب بني هاشم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر بن ابي طالب :

((أشبهت خَلْقِي ، وخُلُقي )) رواه البخاري2699 والترمذي 3765.

بهذا نختم  الحلقة (29) ونلتقي معكم الاسبوع القادم بإذن الله في الحلقة  (30) مع فقه السيرة وظلال النبوة مع ملاحظة  احتفاظي بالمراجع لعدم امكانية نشرها في الجريدة في الوقت الحاضر..

اسأل الله ان يكتب لنا ولكم الاجر ” صدقة جارية” عن نشر سيرة وفقه أعظم نبي ورسول صلى الله عليه وسلم وان يجمعنا به صحبة في الفردوس الاعلى من الجنة .

 

أخوكم د. محمد أحمد النجار
الجمعة 14 جمادى الثانية 1439هـ
الموافق2 مارس 2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.